والثاني: أن يقع في الأَشْهرِ الحُرُم، وهي ذُو القَعْدة، وذو الحجَّة، والمُحَرَّم، ورَجَب، ثلاثة سرداً وواحدٌ فرداً؛ وذلك لِعَظَم حُرْمتها؛ ولا يُلْحَقُ بها شَهْرُ رمَضَانَ.

والثالث: أن يصادف القَتْل قريبًا مُحْرِماً، وهل تَتَغلَّظ الدية بالقَرَابَةِ دون المحرمِيَّة؟ فيه وجهان عن القَفَّال، واختاره الشَّيخ أبُو محَمَّدٍ، والقاضي الرُّويانيُّ: أنها تتغلَّظُ؛ لما فيه من قَطِيعَةِ الرحم، وتأكيد الحُرْمة. وقال الأكثرون: لا تتغلَّظ؛ لِمجرَّدِ القَرَابة، ويعتبر معها المحرمية، وقد رُوِيَ عن عُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ما يدلُّ عليه، ويُشعِرُ به، ولا تُلْحَقُ حرمة الرَّضَاع، والمُصَاهرة بُحْرمَةِ النَّسَبِ في هذا الباب.

وعند أبي حنيفة ومالك: هذه الأسباب الثلاثة لا تقتضي التَّغليظَ، ويميلُ الأصحاب للمذهب بالآثار عن عمر، وعثمان، وابن عباس -رَضِيَ الله عَنْهُم- وادَّعوا فيها الاشتهار، وحصول الاتفاق.

والرابع: إذا كان القتل عمداً أوْ شبه عمد، تغلَّظَتِ الدية، ويُسَمَّى شبهُ العَمْدِ عمداً خَطَأً أيضاً، وقد رُوِيَ عن ابن عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلاَ إِنَّ في قَتْلِ العَمْدِ الخَطَأ بِالسَّوْطِ، والعَصَا مَائَةً مِنَ الإِبِلِ مُغَلَّظَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً في بُطُونِهَا أَوْلاَدُهَا" (?). ويجوز أن يُعلَّم قوله في الكتاب: "أو شِبْه عَمْدٍ" بـ"الميم"؛ لأن المشهور عن مالك: أن القَتْل إما عمدٌ مَحْضٌ، أو خطأٌ مَحْضٌ، ونفي شبه العمد.

وقوله: "وعِشْرُونَ ابن لَبُونٌ معلم بـ"الحاء" والألف والواو"، وقوله: "الوقوع في حرم مكة معلم بالحاء والميم". وقوله: "والوقوع في الأشهر الحرم".

وقوله: "أو مُصَادفته ذا رحم محرم" بالواو وقد بَيَّنا وجوهها.

قال الغَزَالِيُّ: وَلَوْ قَتَلَ مُسْلِماً فِي دَارِ الحَرْبِ عَلَى زِيِّ الكُفَّارِ وَلَم يَعْلَمْ إِسْلاَمَهُ فَيَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى قَوْلٍ وَلَكِنْ دِيَةُ العَمْدِ أَوْ دِيَةُ شِبْهِ العَمْدِ أَوْ دِيَةُ الخَطأ المَحْضِ فِيهِ ثَلاثةُ أَوْجُهٍ، وَكَذَا إِذَا رَمَى إِلَى مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ قَبْلَ الإصَابَةِ، وَيَجْرِي هَذَا الخِلاَفُ فِي كُلِّ قَتْلٍ عَمْدٍ مَحْضٍ صَدَرَ عَنْ ظَنٍّ فِي حَالِ القَتِيلِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: سيظهر في الفصل التالي (?) لهذا الفَصْل أن شبه العَمْد في التغليظ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015