باب ما جاء في العزلة قال الله تعالى ذكره حكاية عن إبراهيم عليه السلام: وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا اعتصم خليل الله سبحانه بالعزلة واستظهر بها على قومه عند جفائهم إياه وخذلانهم له في عبادة الأصنام ومعاندة الحق

بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعُزْلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم: 48] اعْتَصَمَ خَلِيلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْعُزْلَةِ وَاسْتَظْهَرَ بِهَا عَلَى قَوْمِهِ عِنْدَ جَفَائِهِمْ إِيَّاهُ وَخُذْلَانِهِمْ لَهُ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَمُعَانَدَةِ الْحَقِّ وَكَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهُمْ وَعَصَمَهُ مِنْ شَرِّهِمْ وَأَثَابَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَوْهِبَةِ الْجَزِيلَةِ وَعَوَّضَهُ النُّصْرَةَ بِالذُّرِّيَّةِ الطَّيِّبَةِ قَالَ اللَّهُ، وَهُوَ أَجَلُّ قَائِلٍ {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} وَقَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ} [الدخان: 21] فَزِعَ نَبِيُّ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْعُزْلَةِ حِينَ ظَهَرَ لَهُ عِنَادُهُمْ فِي قَبُولِ الدَّعْوَةِ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى مُنَابَذَةِ الْحَقِّ وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {وَإِذ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} [الكهف: 16] وَكَانُوا قَوْمًا كَرِهُوا الْمَقَامَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَفَرُّوا مِنْ فِتْنَةِ الْكُفْرِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ شَرَّهُمْ وَدَفَعَ عَنْهُمْ بَأْسَهُمْ وَرَفَعَ فِي الصَّالِحِينَ ذِكْرَهُمْ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدِ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ قُرَيْشًا لَمَّا جَفَوْهُ وَآذَوْهُ فَدَخَلَ الشِّعْبَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِاعْتِزَالِهِمْ وَالْهِجْرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا حَتَّى تَلَاحَقَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَتَوَافَوْا بِهَا مَعَهُ فَأَعْلَى اللَّهُ كَلِمَتَهُ وَتَوَلَّى إِعْزَازَهُ وَنُصْرَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْعُزْلَةُ عِنْدَ الْفِتْنَةِ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَعِصْمَةُ الْأَوْلِيَاءِ وَسِيرَةُ الْحُكَمَاءِ الْأَلِبَّاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ عَابَهَا عُذْرًا لَاسِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الْقَلِيلِ خَيْرُهُ الْبَكِيءُ دَرُّهُ وَبِاللَّهِ نَسْتَعِيذُ مِنْ شَرِّهِ وَرَيْبِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015