القدر تحت صفة الإرادة لا صفة العلم، وزعمت المعتزلة اندراجه تحت العلم وهو خلاف نصوص الشرع والإجماع، والإرادة مؤثرة في وجود المراد لا العلم في وجود المعلوم، وقال أرباب المعقول: إن علم الباري مؤثر لا علم الكائنات، وقال علماء الإسلام: إن من شأن العلم انجلاء المعلوم متى وقع كيف ما وقع، وزعمت المعتزلة أن في الإنسان اختياراً مستقلاً، ونقول: إن فيه اختياراً لكنه ليس بمستقل بل صورة في الحالة الراهنة، ويطلق عليه لفظ المختار حقيقة لا مجازاً لكنه في الحقيقة غير مختار، والاختيار وصف موضوع في الممكن يفعل به الأشياء أو يتركها من إرادته، ثم ذلك الوصف مستند إلى الاضطرار، وأما التأثير فإنما هو للفاعل الحقيقي، وإنما الإنسان مجبور محض في قبول ذلك الوصف، فالحاصل أن الإنسان مثل آلات المركب الدخاني كما يدل عليه لفظ الحديث في الصفحة (37) وهو يستعمله إلخ، إن قيل: أي فائدة في خلق العالم كما قال إبليس؟ قلت: إن في خلق العالم ثلاث احتمالات فإنه ممكن أو محال أو واجب، ومن البداهة أنه ليس بمحال وإلا فكيف يُخلق؟ والحال أنه مخلوق فيكون ممكناً؟ فإذا كان ممكناً فهل يقول أحد: إن إيجاده ليس بمستحسن؟ كيف يقول وفيه إظهار عجائب بارئ النسم وبدائعه، وإن قيل: يرفع الثواب والعقاب قلت: إن هذا يستلزم رفع الحسن من الحسن والقبح من القبيح ولا يقول به أحد فيكون جزاء مرتكب الحسن حسناً ومستحسناً، وكذلك جزاء مرتكب القبيح قبيحاً وهو إلقاؤه في النار وإدخال المطيع في الجنة، ثم إن قيل: لم خلق الله القبيح من الأمور ولم لم يخلق جميع مخلوقه حسناً؟ فيقال: إن خلق القبيح نظراً إلى الخالق حسن وإن كان نظراً إلينا قبيحاً، فإنه أيضاً كمال الخالق وإن من القانون في مخلوقاته في الدنيا تقليل الحسنات وتكثير القبيحات لأن الحسن يقتضي الاعتدال في الأنحاء والأنواع، ومن المعلوم أن الأقل شروطاً أكثر وجوداً والأكثر

شروطاً أقل وجوداً، وفي الاعتدال شروط كثيرة، ولقد صنفت نظماً في مسألة القدر وأذكره نبذة منه:

~ يا صاحبي إن الكلام بقدرتك ... طويل وتحرير الخلاف يطول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015