الأوحَد جامع الفنون ومُستنبط العيون ومستخرج الجواهر الثمينة [ومستحق] (?) في وقته أن يُقال له: عالم المدينة، قاهر البدع [ناصر] (?) الشّرع المتبع، ناظم السّنة، والقائم في حمايتها قيام الجُنّة، البائع من الله نفسه، والبائع [لل ... ] (?) الحق يومه وأمسه، فما هو عن إقامة السنة بنائم، ولا تأخُذه في الحق لَومة لائم، المنفق في مجاورة الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمره، والملازم لحضرته الشريفة فلم يفارقها إلا لحج أو عمرة، فهو الوافي بما للمجاورة من حسن الطريق، والمستوجب لاسم الجار على التحقيق، جامع أشتات الفضائل، والرافع حجاب الإشكال عن وجوه المسائل، مفتي المالكية ومدرسها بالمدينة الشريفة، القاضي بدر الدين أبا محمد عبد الله بن الشيخ الإمام العلامة الأوحد [شيخ] (?) الناسكين وقُدوة السالكين مُدرّس المالكية ومفتيها بالمدينة الشريفة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن فرحون اليعمري، لا زالت السّنة منصُورة بسببه، ولا برح العلم كلمة باقية في عقبه. فلما أجزل الله المنة بلقائه، وهبّت لنا نفحات العلم من تلقائه، جعلنا نقتبس من فوائده، ونلتمس من فرائده، ونسأل عما تجدّد من تصانيفه المفيدة وتواليفه المجيدة، فوجدناه قد صنّف كتابا في إعراب عمدة الحديث للحافظ عبد الغني المقدسي، سماه بـ"العدة في إعراب العمدة"، جاء فيه بفنون من الإعراب وعيون من الإغراب، [رضيت] (?) فيه العربية عن فكره، وذكر فيه من نوادر المسائل ما يستديم طيب ذكره، وقد قرئ هذا الكتاب بين يديه، ونحن حاضرون لديه، نستجلي عرائسه، ونستهدي نفائسه، ونشنف أسماعنا منه، بلفظ يستميل كل سامع، ومعنى للفوائد جامع؛ فألفيناه قد أجاد فيه غاية الإجادة، وأكثر من إفاضة الإفادة، فكان أجمع للنفايس من البحر الزاخر، يقول مَن نظر فيه: "كم ترك الأول للآخر؟ ! "، فما سُبق إلى سلوك هذه الطريقة، ولا حقق غيره إعراب هذا الكتاب على الحقيقة، فله في ذلك القدح المعلى، والطريقة المثلى.

ولقد سمعناه من أوّله إلى آخره، وخيل المباحثة في ميدانه جائلة، وألسنة الأفكار عن غوامضه سائلة، فما عثرنا فيه على ما تتوقّف عنه الأفكار، ولا بصرنا بمثله فيما رأته البصائر والأبصار، فلقد وفّى فيه أصول الإعراب، وتتبّع فصول الإغراب، ومهد قواعد ينتفع بها المبتدي والمنتهي، وشيّد فيه مباني من العلم لا تنتقض ولا تهي؛ فحقيق على كُلّ طالب للإفادة راغب في مواقع الإجادة أن يجعل هذا الكتاب نصب عينه وذهنه، ويتخذه شغل فؤاده وحلية أذنه، فإنّ فوائده عديدة، وطريقته في الإعراب سَديدة.

ولما جمعنا بين طرفي هذا الكتاب الذي أغرَب في طريقه، وأعزب في العِلم عن تحقيقه؛ علمنا أنّ الله جَعل من كرم هذه الملة تتابُع علمائها الجلّة، وتحققنا أنّ رواية هذا الكتاب عن مُصنفه غنيمة لا تُضَاع، وذخيرة تُشترى ولا تُباع؛ فسألناه أن [ ... ] (?) في روايته، فأجاب لذلك، وأذِن لنا - رضي الله عنه -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015