وأما قولهم أنبت الربيع البقل، أو أنبت الماء العشب، فهو إن كان مجازا كما زعموا، فليس كدعوة الأموات يقينا، وذلك أن الماء والربيع –مثلا- لا يمكن أن يعتقد أحد أنهما هما اللذان ينبتان العشب والبقل الإنبات الحقيقي المراد هنا، أما الأنبياء والأموات والصالحون والبشر الأحياء فيمكن أن تعتقد فيهم الشرك بالله، ويمكن أن يعبدوا ويؤلهوا، بل هذا هو الواقع المشهود المنظور.

فإذا وجدنا من يدعو الأموات من الأنبياء والصالحين، ويدعو الملائكة والجان، لم نجد مانعا من أن نعتقد أن ذلك الداعي مشرك بالله، وأنه يعبد هؤلاء الذين يدعوهم من دون الله، وأنه يرى أنهم يعطون حقيقة ما يسألهم ويسألهم سواه من المشركين بربهم. أما إذا سمعنا من يقول: أنبت الربيع البقل والماء العشب فلا يمكن أن نعتقد أن قائل هذا يشرك بالله ويعبد الربيع والماء ويرى أنهما ينبتان حقيقة ... فكان المجاز في مثل هذا ظاهرا لاشك فيه ولاخلاف.

وأيضا هنالك فرق بين دعوة الميتين وبين قول الناس أنبت الربيع البقل والماء العشب، ذلك أن الأول طلب والثاني خبر، وبين الأمرين فرق حقيقي عظيم معروف، وليس كل ما جاز إخبارا جاز طلبا. والدليل على هذا الفرق الواضح أنه صح أن يقال أنبت الربيع البقل والماء العشب ولم يصح أن يقال: يا ربيع أنبت البقل، ويا ماء أنبت العشب، على أن يكون طلبا كالطلب في دعاء المشايخ والصالحين من الأموات، وإذا كان هذا المثل الواحد يجوز إخبارا ويمنع طلبا وإنشاءا فكيف يستدلون بالمثل الإخباري على مثل آخر طلبي إنشائي؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015