أَيْ حَالَ الْبَدْءِ وَحَالَ الِانْتِهَاءِ فَلَوْ رَمَى ذِمِّيٌّ مُرْتَدًّا وَقَبْلَ وُصُولِ الرَّمْيَةِ إلَيْهِ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ اُعْتُبِرَ حَالُ الرَّمْيِ فَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِهِ إنْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ حَالَ الرَّمْيِ، وَإِنْ صَارَ مَعْصُومًا حَالَ الْإِصَابَةِ، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَنَزَا وَمَاتَ لَمْ يُقْتَلْ الذِّمِّيُّ الْجَارِحُ بِهِ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْجُرْحِ وَلَوْ رَمَى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا، أَوْ جَرَحَهُ فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ، أَوْ ارْتَدَّ الْمَجْرُوحُ قَبْلَ مَوْتِهِ مِنْهُ فَلَا قَوَدَ نَظَرًا لِحَالِ الْمَوْتِ نَعَمْ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي الْجُرْحِ فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ، ثُمَّ ارْتَدَّ الْمَقْطُوعُ وَمَاتَ مُرْتَدًّا لَثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا حَالَةَ الْإِصَابَةِ.

ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْعِصْمَةَ تَكُونُ بِأَمْرَيْنِ بِقَوْلِهِ (بِإِيمَانٍ) أَيْ إسْلَامٍ (أَوْ أَمَانٍ) مِنْ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِهِ وَمُرَادُهُ بِالْأَمَانِ مَا يَشْمَلُ عَقْدَ الْجِزْيَةِ وَمَثَّلَ لِلْمَعْصُومِ كَمَا هُوَ شَأْنُهُ أَنْ يُمَثِّلَ بِمَا خَفِيَ بِقَوْلِهِ (كَالْقَاتِلِ) عَمْدًا وَعُدْوَانًا فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ (مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ) لِدَمِهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمُسْتَحِقِّ دَمِهِ، وَهُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَلَيْسَ بِمَعْصُومٍ، لَكِنْ إنْ وَقَعَ مِنْهُ قَتْلٌ لِلْقَاتِلِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ.

فَقَوْلُهُ (وَأُدِّبَ) رَاجِعٌ لِمَفْهُومِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَوْ قَالَ لَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّ وَأُدِّبَ كَانَ أَبْيَنَ (كَمُرْتَدٍّ) تَشْبِيهٌ فِي أُدِّبَ قَاتِلُهُ أَيْ كَقَاتِلِ شَخْصٍ مُرْتَدٍّ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَلَا يُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ زَمَنَ الِاسْتِتَابَةِ، أَوْ بَعْدَهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دِيَتُهُ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ مُسْلِمٍ كَدِيَةِ الْمَجُوسِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ (و) قَاتِلِ (زَانٍ أَحْصَنَ) بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَيُؤَدَّبُ (و) قَاطِعِ (يَدِ) شَخْصٍ (سَارِقٍ) أَيْ ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارٍ فَيُؤَدَّبُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَقَوْلُهُ (فَالْقَوَدُ عَيْنًا) جَوَابُ قَوْلِهِ إنْ أَتْلَفَ مُكَلَّفٌ وَقَوْلُهُ عَيْنًا أَيْ مُتَعَيِّنًا فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُلْزِمَ الدِّيَةَ لِلْجَانِي جَبْرًا، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَعْفُوَ مَجَّانًا، أَوْ يَقْتَصَّ وَجَازَ الْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا بِرِضَا الْجَانِي

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ كَوْنُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعْصُومًا مِنْ حِينِ ضَرْبِهِ، أَوْ جُرْحِهِ إلَى حِينِ مَوْتِهِ وَقَوْلُهُ (وَفِي الْجُرْحِ) أَيْ وَيُشْتَرَطُ فِي الْقِصَاصِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُرْحِ وَقَوْلُهُ (مِنْ حِينِ الرَّمْيِ) أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَعْصُومًا مِنْ حِينِ الرَّمْيِ إلَى حِينِ الْإِصَابَةِ وَقَوْلُهُ (فَلَا بُدَّ) أَيْ فِي الْقِصَاصِ وَقَوْلُهُ (مِنْ اعْتِبَارِ الْحَالَيْنِ) أَيْ مِنْ اعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ فِي الْحَالَيْنِ حَالِ الِابْتِدَاءِ وَحَالِ الِانْتِهَاءِ (قَوْلُهُ: أَيْ حَالَ الْبَدْءِ وَحَالَ الِانْتِهَاءِ) أَيْ وَالْمُصَنِّفُ تَرَكَ الْمَبْدَأَ، وَذَكَرَ حَالَةَ الِانْتِهَاءِ لِلْعِلْمِ بِالْمَبْدَإِ مِنْهُ مِنْ غَايَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ غَايَةٍ لَهَا مَبْدَأٌ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ حَالُ الرَّمْيِ) أَيْ اُعْتُبِرَ فِي الْقَوَدِ حَالَةُ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ مُرَاعَاةً لِحَالِ الْجُرْحِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ حِينَ الْجُرْحِ، وَإِنْ كَانَ مَعْصُومًا حِينَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِحَالِ الْمَوْتِ) أَيْ؛ إذْ الْعِصْمَةُ لَمْ تَسْتَمِرَّ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَثَبَتَ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ) أَيْ لَا فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَانَ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَمْ تَسْتَمِرَّ الْعِصْمَةُ إلَيْهِ وَأَمَّا فِي الْقَطْعِ فَقَدْ كَانَ مَعْصُومًا مِنْ حِينِ الرَّمْيِ إلَى حِينِ الْإِصَابَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ إسْلَامٍ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَهُوَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا يُوجِبُ الْعِصْمَةَ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ مُنَجِّيًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُوجِبُ لِلْعِصْمَةِ فِي الظَّاهِرِ إنَّمَا هُوَ الْإِسْلَامُ أَيْ الِانْقِيَادُ ظَاهِرًا لِلْأَعْمَالِ، فَالْأَوْلَى لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ بِإِسْلَامٍ بَدَلَ قَوْلِهِ بِإِيمَانٍ.

وَحَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالْإِيمَانِ الْإِسْلَامُ وَصَحَّ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّلَازُمِ فِي الْمَاصَدَقَ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ إلَخْ (قَوْلُهُ لِافْتِيَاتِهِ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ أَسْلَمَهُ الْإِمَامُ لِمُسْتَحِقِّ الدَّمِ فَقَتَلَهُ فَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الِافْتِيَاتِ كَمَا أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْتُلُهُ فَإِنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ فِي قَتْلِهِ وَكَمَا يَسْقُطُ الْأَدَبُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ (قَوْلُهُ: وَأُدِّبَ) أَيْ الْمُسْتَحِقُّ فِي قَتْلِهِ لِلْجَانِي بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا عَلَيْهِ دِيَتُهُ) أَيْ سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ، أَوْ فِي زَمَنِهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَدَبِ، وَالدِّيَةِ عَلَى قَاتِلٍ (قَوْلُهُ: ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ مُسْلِمٍ) أَيْ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ، فَهَذَا دِيَتُهُ قَتْلٌ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فِي زَمَنِ الِاسْتِتَابَةِ، أَوْ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: وَقَاتِلِ زَانٍ أُحْصِنَ) أَيْ وَأَمَّا قَاتِلُ الزَّانِي الْغَيْرِ الْمُحْصَنِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَجَدْته مَعَ زَوْجَتِي وَثَبَتَ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةٍ وَيَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِذَلِكَ الزَّانِي كَانَ مُحْصَنًا، أَوْ بِكْرًا لِعُذْرِهِ بِالْغِيرَةِ الَّتِي صَيَّرَتْهُ كَالْمَجْنُونِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَعَلَى قَاتِلِهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ بِكْرًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّهُ هَدَرٌ مُطْلَقًا أَيْ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَوْ بِكْرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ قَوْلِهِ وَجَدْته مَعَ زَوْجَتِي قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِلَطْخٍ أَيْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَفِيفٍ مِنْ النَّاسِ يَشْهَدُونَ بِرُؤْيَةِ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ لِدَرْئِهِ بِالشُّبْهَةِ وَانْظُرْ إذَا قَتَلَهُ لِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا بِزَوْجَتِهِ، أَوْ قَتَلَهُ عِنْدَ ثُبُوتِ زِنَاهُ بِأَرْبَعَةٍ بِبِنْتِهِ، أَوْ أُخْتِهِ (قَوْلُهُ: يَدِ شَخْصٍ) أَيْ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، أَوْ عُضْوِ سَارِقٍ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْعُضْوَ يَشْمَلُ الْيَدَ، وَالرِّجْلَ (قَوْلُهُ: ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَطْعِ، أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: فَالْقَوَدُ) أَيْ، فَالْوَاجِبُ الْقَوَدُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَتْلُ قِصَاصًا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُودُونَ الْجَانِي لِمُسْتَحِقِّهَا بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ هَذَا وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ الْقِصَاصُ مِنْ الْقَاتِلِ يُكَفِّرُ عَنْهُ إثْمَ الْقَتْلِ أَمْ لَا فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يُكَفِّرُهُ عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» فَعَمَّمَ وَلَمْ يُخَصِّصْ قَتْلًا مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يُكَفِّرُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ الْمَظْلُومَ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي الْقِصَاصِ، وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ مَنْفَعَةٌ لِلْأَحْيَاءِ لِيَتَنَاهَى النَّاسُ عَنْ الْقَتْلِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015