. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

ذلك إخْبارٌ عن حَقِيقَةِ المُفْلِسِ، وقولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَيسَ ذَلِكَ (?) المُفْلِسَ». تَجَوُّزٌ لم يُرِدْ به نَفْيَ الحَقِيقَةِ، بل أراد أن فَلَسَ الآخِرَةِ أشَدُّ وأعْظَمُ؛ بحيث يَصِيرُ مُفْلِسُ الدُّنْيا بالنِّسْبَةِ إليه كالغَنيِّ. ونَحْوُ هذا قَوْلُه عليه الصلاةُ والسَّلامُ: «لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَغْلِبُ نَفْسَهُ عِنْدَ ألْغَضَبِ» (?). وقَوْلُه: «لَيسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» (?). ومنه قولُ الشّاعِرِ (?):

لَيسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ … إنَّمَا المَيتُ مَيِّتُ الأحْيَاء

قِيلَ: إنَّما سُمِّيَ هذا مُفْلِسًا؛ لأنَّه لا مال له إلَّا الفُلُوسَ، وهي أَدْنَى أنْواعِ المالِ. والمُفْلِسُ في عُرْفِ الفُقَهاءِ: مَن دَينُه أكْثَرُ مِن مالِه. وسَمَّوْه مُفْلِسًا وإن كان ذا مالٍ؛ لأنَّ ماله مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ في جِهَةِ دَينِه، فكأنَّه مَعْدُومٌ. وقد دَلَّ عليه تَفْسِيرُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُفْلِسَ الآخِرَةِ، فإنَّه أخْبَرَ أنَّ له حَسَناتٍ أمثال الجِبالِ، لكنَّها لا تَفِي بما عليه، فقُسِمَتْ بينَ الغُرَماءِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015