ولم يجد خصوم أبي حنيفة من السياسين والقضاة عيبا يسوئون به سمعته سوى أن يفتروا عليه بإعراضه عن السنة وإحلال الرأي محلها.

وقد دافع الإمام عن نفسه، ورد على إدعاءات خصومه القدماء ردوداً مفحمة سجلتها الرواية الأمينة بكل إخلاص وصدق، قال الإمام رحمة الله:

"كذب والله وافترى علينا من يقول: إننا نقدم القياس - يعني الرأي - على النص - يعني الحديث - وهل يحتاج بعد النص إلى قياس"؟ (ينظر الميزان للشعراني: 51) .

وقال: "نحن لا نقيس إلا عند الضرورة الشديدة، وذلك أننا ننظر في دليل المسألة من الكتاب والسنة، أو أقضية الصحابة، فإن لم نجد دليلاً قسنا حينئذ مسكوتاً عنه على منكوق به" (نفس المصدر السابق) هذا كلام إمام يقدر السنة حق قدرها، ويجعلها تالية للقرآن في الاستدلال، وإن إدعى خصومه عليه وأكثروا وكان يقول: "إنا نأخذ أولاً بكتاب الله، ثم السنة، ثم بأقصية الصحابة، ونعمل بما أتفقوا عليه، فإن أختلفوا قسنا حكماً على حكم، بجامع العلة بين المسألتين، حتى يتضح المعنى".

وكان يقول: "ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلى الرأس والعين، بأبي وأمي - أي أفدي رسول الله بأبي وأمي - وليس لنا مخالفته. وما جاء عن أصحابه تخيرنا. وما جاء عن غيرهم - يعني التابعين - فهم رجال ونحن رجال".

وفي رواية أخرى: "زاحمناهم" يعني: لنا حق إبداء الرأي في المسألة معهم. إذن، فما الذي يريده منكرو السنة من الإمام أبي حنيفة حتى يقلعوا عن الإفتراء عليه، ويعرضوا عن إتخاذه منبع شبهة للطعن في سنة خاتم الأنبياء والمرسلين؟!

إن الإمام أبا حنيفة لم يختلف عن بقية الأئمة الكبار أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015