من الأعمال ما كان على جهة الرياء وليس من هذا هبة بعض الشيء خالصا لله وهبة البعض الآخر بعوض فإن الله سبحانه لم يشاركه غيره فيما هو له ولا فرق بين جعل كل الشيء أو بعضه هبة ولا ورد ما يدل على المنع من ذلك.

أما قوله: "وليس على الراجع ما أنفقه المتهب" فلا وجه له لأنه غرم لحقه بسببه وقد بطل المطلوب من تملك الموهوب فيرجع عليه بما أنفق لأنه انكشف أنه أنفق على مالك الواهب وقد أثم الراجع عن الهبة وصار "كالكلب يعود في قيئة" [البخاري "5/216"، مسلم "5/1622"، أبو داود "3538"، الترمذي "1298"، النسائي "6/265"، ابن ماجة "2387" أحمد "1/217"] ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحل ما وقع منه من التغريم للموهوب له نعم إذا كان الموهوب له قد علم بأنها لا تطيب نفس الواهب إلا بالعوض المضمر أو كان العوض مشروطا وحصل منه عدم الوفاء بالعوض فهو الجاني على نفسه بعدم تسليم العوض وبالانفاق على ما لم يخلص له ملكه.

[فصل

وبلا عوض فيصح بالرجوع مع بقائهما في عين لم تستهلك حسا أو حكما ولا زادت متصلة ولا وهبت لله أو لذي رحم محرم أو يليه بدرجة إلا الأب في هبة طفله وفي الأم خلاف وردها فسخ وتنفذ من جميع المال في الصحة وإلا فمن الثلث ويلغو شرط ليس بمال ولا غرض وإن خالف موجبها والبيع ونحوه ولو بعد التسليم رجوع وعقد] .

قوله: "فصل: وبلا عوض فيصح الرجوع فيها".

أقول: قد قدمنا حكم الهبة بعوض وأنها لا يحل للموهوب له إلا بالعوض المشروط أو المضمر وإلا كانت ردا على الواهب لأن الرضا الذي هو المناط الشرعي مقيد بحصول العوض ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن ماجه "2387"، عن عب الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل ابن مجمع عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة مرفوعا: "الواهب أحق بهبته ما لم يثبت منها"، قال ابن حجر والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر قال البخاري هذا أصح ورواه الدارقطني من هذا الوجه ورواه البيهقي من حديث ابن وهب عن حنظلة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن عمر: "من وهب هبة يرجو ثوابها فهي رد على صاحبها ما لم يثبت منها"، قال البيهقي ورواه عبد الله بن موسى عن إبراهيم ابن إسماعيل عن حنظلة مرفوعا قال ابن حجر صححه الحاكم وابن حزم.

وأما الهبة بلا عوض فاعلم أن أصل معنى الهبة عدم انقضاء العوض لأنها من باب المكارمة فلو لم يرد فيها ما يدل على امتناع الرجوع فيها لكان هذا الأصل يكفي فكيف وقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015