حبيباته الصغيرات .. اللواتي طالما انتظرنه في البيت وعلى عتبة الباب .. فإذا ما رأينه مقبلًا تراكضن نحوه كالزهرات .. أيهنّ تحظى بقبلة قبل أخواتها .. يتزاحمن على ما يحمله بيديه .. كلهنّ يردن التخفيف عنه ورؤية ما أحضر لهنّ .. كلهنّ يردن خدمته .. طالما أعددن شرابه وطعامه .. وغسلن ثيابه .. وغطّينه وهو نائم .. ولطالما مرّضنه من حمى المدينة القاسية .. تسع زهرات .. كم حملهن على ظهره .. ولاعبهن وضاحكهن وقصّ عليهن .. كم ألححن عليه ليشتري الملابس والحلي .. فيستجيب مهزومًا بالحب ..

ذكريات وهموم تثقل الشيخ العطوف وتملأ قلبه .. فتخرج الكلمات منه بصوت متهدّج بالحزن .. ويقول لابنه جابر: (ما أراني إلَّا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإني لا أترك بعدي أعزّ عليّ منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن عليّ دينًا فاقضِ، واستوصِ بأخواتك خيرًا) (?).

لكن الكلمات لا تطفئ هذه النار المستعرة بين أضلاع هذا الشيخ .. لا تكفي لمقاومة ألم الفراق واليتم القادم .. فيتّجه به الحزن إلى شيء لا يزال حلالًا حتى الآن .. يتجه به الحزن إلى شيء قد ينسيه بعض الحزن .. قد ينسيه ذلك الشوق المنبعث من تلك العيون البريئة التي لا تُنسى.

والد جابر يشرب خمرًا قبل المعركة

يتجه رضي الله عنه إلى الخمر فيحتسي شيئًا منها علّها تخرجه مما هو فيه .. علّها تسليه حتى تحين ساعة العراك حيث تذوب الخمر ويشتدّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015