ما رأينا رجلًا قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا، فكنا إذا قحط المطر قلنا له: يا ابن الهيبان قم فاستسق لنا، فيقول: لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة، فيقولون: كم؟ فيقول: صاعًا تمرًا، [أو مدين من شعير] عن كل إنسان. فنخرجها، فيخرج بنا إلى ظاهر حرتنا، فيستسقي لنا، فوالله ما يبرح من مجلسه حتى يمر السحاب السراح سائلة، ونسقى به، ففعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثًا، ثم حضرته الوفاة، فلما عرف أنه ميت قال: يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض الجوع والبؤس؟ قلنا: الله أعلم. قال: فإني قدمت إلى هذا البلد لتوكف خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا يسبقنكم إليه يا معاشر اليهود أحدٌ) (?).

وسبق الأنصار اليهود فأسلموا ودعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة واستقبلوه استقبالًا كالحلم .. فانهارت آمال عبد الله بن أبي بن سلول بالزعامة .. بعد أن أدرك أهل المدينة أن وحدتهم لن تدوم بزعامته .. ولن تمتد تلك الزعامة في الأعماق والزمان إلا برسالة يخلع الجميع كل ما عليهم ليلبسوها .. فتنحوا عن ابن سلول وامتدت الأيدي والقلوب إلى الله ورسوله ..

وكأني بابن سلول يتمنى لو لم يطل به العمر ليرى هذا الاحتفال .. وموقف ابن سلول هذا موقف قاصر .. فقد كان بإمكانه أن يصبح زعيمًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015