المقَدّمَة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إن الاهتمام بكتابة السيرة النبوية ظهر مبكراً في تاريخ الإسلام، وقد تناولها بالتصنيف المؤرخون والمحدثون في القرون الأولى.

وتمتاز كتابات المؤرخين مثل الواقدي والبلاذري بالعناية بمراعاة ترتيب الأحداث ترتيباً زمنياً وموضوعياً، في حين تظهر التجزئة للأحداث في كتابات المحدثين الذين التزموا بقواعد الرواية وتمييز الأسانيد عن بعضها، وربما قطَّعوا الرواية الواحدة فخرجوا بعضها في مكان وبقيتها في مكان آخر لموضوعات (تراجم) مؤلفاتهم، كما يظهر ذلك جلياً في قسم المغازي الذي كتبه الإمام البخاري ضمن صحيحه، ويظهر بصورة أخف في صحيح الإمام مسلم بسبب عنايته الخاصة بسرد المتون الطويلة وتحرير ألفاظها. لأنه أقل عناية من البخاري بتقطيع الرواية حسب تراجم كتابه.

وبعض المؤلفين جمع بين صفتي المحدث والمؤرخ مثل محمد بن إسحاق وخليفة بن خياط، ويعقوب بن سفيان الفَسَوى، ومحمد بن جرير الطبري، وهؤلاء أفادوا من منهج المحدثين بالتزام سرد الأسانيد ومحاولة إكمال صورة الحادث عن طريق جمع الأسانيد أحياناً أو سرد الروايات التي تشكل وحدة موضوعية تحت عناوين دالة.

ولكن سائر الذين كتبوا في السيرة اهتموا بجمع ما أمكنهم من الروايات وتدوينها دون أن يشترطوا الصحة فيما يكتبونه، وأحالوا القارئ على الأسانيد التي أوردوها ليعرف الصحيح من الضعيف، ويشذ عن ذلك البخاري ومسلم حيث شرطا الصحة فيما روياه من روايات السيرة ضمن كتابيهما في الصحيح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015