الَّذين اتَّقوا أَي تركُوا الْمُحرمَات {وَالَّذين هم محسنون} أَي فعلوا الطَّاعَات فَهَؤُلَاءِ الله يحفظهم ويكلؤهم ويؤيدهم بنصره ويظفرهم على أعدائهم ومخالفيهم وَقد جردت الْأمة الْعَرَبيَّة من هَذَا كُله، اللَّهُمَّ إِلَّا بَقِيَّة قَليلَة.

إِن أَكثر الْأَوَامِر القرآنية وَالسّنَن النَّبَوِيَّة قد هجرت، وَتركت ظهريا، وكل المناهي الَّتِي نهى الله وَرَسُوله عَنْهَا قد انتهكت وارتكبت. بل قد أُصِيب الْمُسلمُونَ بِمَا لم يصب بِهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى من الْعَدَاوَة وَالْقَسْوَة والغلظة بسفك دِمَائِهِمْ وبغيهم وظلمهم لبَعْضهِم، وَهَذَا يدل على أَن أَكثر الْمُسلمين لَيْسُوا متقين وَلَا محسنين، فجردوا من الْمَعِيَّة الإلهية الْخَاصَّة بالمتقين والمحسنين، وَلِهَذَا ساءت حَالهم؛ وَهُوَ يدل أَيْضا دلَالَة وَاضِحَة على سكُوت الْعلمَاء ونومهم عَن أَدَاء مَا كلفوا بِهِ وطوقوا بتبليغه، وَهُوَ وَاجِب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَفِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة عَنهُ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليسلطن الله عَلَيْكُم شِرَاركُمْ فيدعو خياركم فَلَا يُسْتَجَاب لَهُم، وَحسنه السُّيُوطِيّ، فَالْعُلَمَاء بسكوتهم هم المفرطون والمقصرون. بل وهم المسقطون لهَذِهِ الْأمة السامية.

فصل

وَقَالَ تَعَالَى: {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} أَي أَن رَحمته مرصدة للَّذين يحسنون فيتبعون أوَامِر الله الَّتِي نطق بهَا كِتَابه وَسنة رَسُوله، ويتركون مَا نهى الله وَرَسُوله فِي الْقُرْآن الْمجِيد وَالسّنة المطهرة. وَفِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على أَن رَحمَه الله أَصبَحت بعيدَة كل الْبعد عَن الْمُسلمين، إِذْ أَصْبحُوا يكفرون بِاللَّه الْعَظِيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015