هَذَا وَقد منع الْأُسْتَاذ الشَّيْخ مَحْمُود السُّبْكِيّ المصافحة عِنْد الْفِرَاق بِغَيْر دَلِيل وَلَا برهَان بل بمحض رَأْيه، وَهُوَ مَرْدُود بِمَا رَوَاهُ ابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة فِي (بَاب مَا يَقُول إِذا أَخذ بيد أَخِيه ثمَّ يُفَارِقهُ) وسَاق السَّنَد إِلَى أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: مَا أَخذ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بيد رجل ففارقه حَتَّى قَالَ: " اللَّهُمَّ آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار ". فَهَذَا يدل على الِاسْتِحْبَاب أَو الْجَوَاز على الْأَقَل وَلَيْسَ للشَّيْخ سلف فِي ذَلِك إِلَّا فهمه وَهُوَ معَارض بِهَذَا الْخَبَر نعم قد يُقَال: إِن فِي هَذَا الْأَثر ضعفا لِأَنَّهُ من رِوَايَة عَمْرو بن سُهَيْل وَهُوَ ضَعِيف، وَيُجَاب بِأَن هَذَا الْأَثر وَارِد فِي بَاب فَضَائِل الْأَعْمَال، وَالْجُمْهُور على أَن مَا كَانَ كَذَلِك يتساهل فِي قبُوله.

وَالْقَاعِدَة الْأُصُولِيَّة أَن الحَدِيث الضَّعِيف أقوى وَأفضل من رَأْي الْمُجْتَهد، ثمَّ من قَالَ هَذَا من الْخُلَفَاء أَو الصَّحَابَة أَو التَّابِعين أَو الْأَئِمَّة أَو من الْمُحدثين أَو الْفُقَهَاء؟ فَلم يبْق إِلَّا أَنه رَأْي للشَّيْخ، وَعِنْدنَا مَا يقرب أَن يكون دَلِيلا لنا وَهُوَ قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " إِذا انْتهى أحدكُم إِلَى الْمجْلس فليسلم، فَإِن بدا لَهُ أَن يجلس فليجلس؛ ثمَّ إِذا قَامَ فليسلم، فَلَيْسَتْ الأولى بِأَحَق من الْآخِرَة ". ورمز لَهُ فِي الْجَامِع هَكَذَا (حم د ت حب ك) ، وَعَن أبي هُرَيْرَة (ح) والمصافحة غَالِبا مُلَازمَة للسلام: وَفِي تَفْسِير ابْن كثير وَغَيره: كَانَ الرّجلَانِ من أَصْحَاب رَسُول الله، إِذا التقيا لم يفترقا حَتَّى يقْرَأ أَحدهمَا على الآخر سُورَة الْعَصْر إِلَى آخرهَا، ثمَّ يسلم أَحدهمَا على الآخر، وَإِذا تبين هَذَا فَالْوَاجِب على أَتبَاع الشَّيْخ أَن لَا يشددوا فِي ذَلِك فَإِنَّهُ زِيَادَة على عدم ثُبُوته مُوجب للتنافر بَيْننَا وَبَين النَّاس وموقع للعداوة، هدَانَا الله وَإِيَّاكُم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015