الفصل الخامس: جهاده ضد الصليبيين:

أولاً: حال المسلمين والصليبيين قبل عماد الدين:

كان المسلمون في الشام متفرقين تكاد كل مدينة أن تكون دولة مستقلة وأقام الصليبيون في شمال سوريا تسعة شهور بعد فتح أنطاكية قبل سيرهم إلى بيت المقدس واستفادوا من هذه الفترة بالإغارة على المناطق الشمالية في سوريا وأقاموا النفوذ الصليبي محل النفوذ الإسلامي دون أن يحتكوا بالبيزنطيين، فأقاموا بذلك سداً في وجه القوات الإسلامية والبيزنطية على السواء إذ فكرت في مهاجمة أنطاكية أو غيرها من الإمارات الصليبية في المستقبل كما جعلت الترابط بين الإمارات اللاتينية متيسراً لتستطيع أحداها أن تنجد الأخرى على جناح السرعة إذا جد الجد وتعقدت الأمور وتقدم الصليبيون نحو الجنوب فأسسوا مملكة بيت المقدس مستغلين ضعف الدولة الفاطمية، ودمشق عن حماية المنطقة والمدن الساحلية وبإنشاء إمارة طرابلس حدث توازن بين الصليبيين والمسلمين فأنطاكية تواجه حلب وطرابلس تواجه مدن وادي العاصي والرها تقع بين حلب والدولة الإسلامية في الشرق والغرب والقدس تقع بين دمشق ومصر ونقطة التوازن والسؤال المطروح هل تنضم حلب إلى دمشق أو للموصل أو إلى الصليبيين (?). لقد كانت بلاد الفرنجة تقتصر على سواحل سوريا وفلسطين وتعتمد على البحر لضمان التموين من الخارج وعلى سلسلة من القلاع الضخمة المبتدئة من ذغيرة في الطرف الجنوبي لبحيرة طبرية ثم كرك وبيت جبريل والدروم وكان خلف هذا الخط الأول توجد القلاع الممتدة من شقيق أرنون إلى صفد والقسطل وفي الشمال حصون عكا والكرك وبارين ومن ورائها جميعاً المدن الساحلية الكبيرة أنطاكية طرابلس وعكا وصور والمرقب وبيروت ويافا وعسقلان وهي أطراف القوى الصليبية من ناحية البحر.

ويقابلها من ناحية البر مرجعيون وجسر يعقوب وبيسان وطبريا وامتازت هذه الحدود الصليبية، أن قلاعها جمعت بين خصائص العمارة الحربية الغربية والشرقية، من حيث أزدواج الأسوار وتعدد الأبراج ذات الطابقين وكل مستلزمات الحامية من ذخيرة وتموين ووسائل دينية وصحية (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015