عليه وسلم «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن» ، أي: لم يستغن. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: {لا تمدّنّ عينيك} أي: لا تتمنّ ما فضلنا به أحداً من متاع الدنيا، وقيل: أتت من بعض البلاد سبع قوافل ليهود قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في طاعة الله تعالى فقال الله تعالى: لقد أعطيتكم سبع آيات هنّ خير من هذه القوافل السبع. وقرّر الواحدي هذا المعنى فقال: إنما يكون مادًّا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه وإدامة النظر إلى الشيء تدل على استحسانه وتمنيه. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا. روي أنه نظر إلى نعم بني المصطلق وقد عوست في أبوالها وأبعارها وهو أن تجف أبوالها وأبعارها على أفخاذها إذا تركت من العمل أيام الربيع فتكثر شحومها ولحومها وهي أحسن ما تكون. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» . وقوله تعالى: {ولا تحزن عليهم} نهي له عن الالتفات إليهم إن لم يؤمنوا فيخلصوا أنفسهم من النار. ولما نهاه سبحانه وتعالى عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين بقوله تعالى:

{واخفض جناحك} أي: ألن جانبك {للمؤمنين} أي: العريقين في هذا الوصف واصبر نفسك معهم وارفق بهم. ولما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالزهد في الدنيا والتواضع للمؤمنين أمره بتبليغ ما أرسل به إليهم بقوله تعالى: {وقل إني أنا النذير} من عذاب الله أن ينزل عليكم إن لم تؤمنوا. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون {المبين} أي: البين الإنذار وقوله تعالى: {كما أنزلنا} أي: العذاب {على المقتسمين} قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى سموا بذلك لأنهم آمنوا ببعض القرآن وكفروا ببعضه فما وافق كتبهم آمنوا به وما خالف كتبهم كفروا به. وقال عكرمة: إنهم اقتسموا سور القرآن فقال واحد: هذه السورة لي. وقال آخر: هذه السورة لي، وإنما فعلوا ذلك استهزاء به. وقال مجاهد: أنهم اقتسموا كتبهم فآمن بعضهم ببعضها وكفر بعضهم ببعضها. وقال قتادة: أراد بالمقتسمين كفار قريش قال: سموا بذلك لأنّ أقوالهم تقسمت في القرآن فقال بعضهم: إنه سحر وزعم بعضهم أنه كهانة وزعم بعضهم أنه أساطير الأوّلين. وقال ابن السائب: سموا بالمقتسمين لأنهم اقتسموا طرق مكة، وذلك أنّ الوليد بن المغيرة بعث رهطاً من أهل مكة قيل: ستة عشر، وقيل: أربعين. وقال: انطلقوا فتفرّقوا على طرق مكة حيث يمر بكم أهل الموسم فإذا سألوكم عن محمد فليقل بعضكم: إنه مجنون وليقل بعضكم: إنه كاهن وليقل بعضكم: إنه ساحر وليقل بعضكم: إنه شاعر فذهبوا وقعدوا على طرق مكة يقولون ذلك لمن يمرّ بهم من حجاج العرب وقعد الوليد بن المغيرة على باب المسجد الحرام نصبوه حكماً فإذا جاؤوا سألوا عما قال أولئك فيقول: صدقوا فأهلكهم الله تعالى يوم بدر.

وقوله تعالى: {الذين جعلوا القرآن عضين} نعت للمقتسمين وقال ابن عباس: هم اليهود والنصارى جزؤوا القرآن أجزاء فآمنوا بما وافق التوراة والإنجيل وكفروا بالباقي. وقال مجاهد: قسموا كتاب الله ففرقوه وبدّدوه، وقيل: كانوا يستهزؤون به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015