لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم لتلك الكرامة، فسألوه أن يجعلهم مستحقين لها وتكرير ربنا مبالغة في التضرّع. وفي الآثار: من جزبه أي أصابه أمر فقال: ربنا خمس مرات أنجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد {ولا تخزنا} أي: ولا تعذبنا ولا تفضحنا ولا تهنا {يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد} أي: الموعد بإثابة المؤمن وإجابة الداعي، وعن ابن عباس: الميعاد البعث بعد الموت.

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لا أضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى? بَعْضُكُم مِّن? بَعْضٍ? فَالَّذِينَ هَاجَرُواوَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِى سَبِيلِى وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـ?َاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ? وَاللَّهُ عِندَهُ? حُسْنُ الثَّوَابِ *لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ? وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَاكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِّنْ عِندِ اللَّهِ? وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأبْرَارِ * وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِـ?َايَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَا?ئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ? إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * يَا?أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوااصْبِرُوا وَصَابِرُواوَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

دعاءهم وهو أخص من أجاب؛ لأنه يفيد حصول جميع المطلوب لكثرة مبانيه؛ لأنّ كثرة المباني تدل على كثرة المعاني ويتعدّى بنفسه وباللام {أني} أي: بأني {لا أضيع عمل عامل منكم} وقوله تعالى: {من ذكر أو أنثى} بيان عامل {بعضهم من بعض} أي: يجمع ذكركم وأنثاكم أصل واحد فكل واحد منكم من الآخر أي: الذكور من الإناث والإناث من الذكور وقيل: المراد وصلة الإسلام وهذه الجملة وهي بعضكم من بعض معترضة بين عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى وما فصل به عمل عامل من قوله: {فالذين هاجروا} إلخ.. بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله تعالى عباده العاملين.

روي أنّ أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: «يا رسول الله أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت» وقوله تعالى: {فالذين هاجروا} أي: من مكة إلى المدينة {وأخرجوا من ديارهم} تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله تعالى بدينهم من دار الفتنة واضطروا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشؤوا {وأوذوا في سبيلي} أي: ديني {وقاتلوا} الكفار {وقتلوا} في الجهاد، وقرأ حمزة والكسائي بتقديم قتلوا وتأخير قاتلوا وشدد ابن كثير وابن عامر التاء من قتلوا للتكثير {لأكفرن عنهم سيئاتهم} أي: أسترها بالمغفرة {ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً} أي: أثيبهم بذلك إثابة {من عند الله} أي: تفضلاً منه تعالى فهو مصدر مؤكد لما قبله؛ لأنّ قوله تعالى: {لأكفّرن عنهم ولأدخلنهم} في معنى لأثيبنهم {وا عنده حسن الثواب} أي: الجزاء.

ولما كان المشركون في رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون، وقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد نزل.

{لا يغرنك تقلب} أي: تصرف {الذين كفروا في البلاد} للتجارات وأنواع المكاسب والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد منه غيره وقوله تعالى:

{متاع قليل} خبر مبتدأ محذوف أي: ذلك التقلب متاع قليل يتمتعون به في الدنيا يسيراً ويغني فهو قليل في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة أو في جنب ما أعدّ الله للمؤمنين من الثواب قال صلى الله عليه وسلم «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع» رواه مسلم، وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: يا رسول الله إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله فقال: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» {ثم مأواهم} أي: مصيرهم {جهنم وبئس المهاد} أي: الفراش هي.

{لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين} أي: مقدرين الخلود {فيها نزلاً من عند الله} وهو ما يعد للضيف ونصبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015