والابتداء لا في الوجه الثالث الذي هو الأصل فإنه ليس من مذهبه إلا النقل.

{وثموداً} وهم قوم صالح أهلكهم الله تعالى بصحية {فما أبقى} منهم أحداً، وقرأ عاصم وحمزة بغير تنوين للدّال في الوصل وسكون الدال في الوقف والباقون بالتنوين في الوصل والوقف على الألف.

{وقوم نوح} أي: أهلكهم لأجل ظلمهم بالتكذيب {من قبل} أي: قبل الفريقين {إنهم} أي: قوم نوح {كانوا} أي: بما لهم من الأخلاق التي هي كالجبلات التي لا انفكاك عنها {هم} أي: خاصة {أظلم} أي: من الطائفتين المذكورتين {وأطغى} أي: وأشدّ تجاوزاً في الظلم وعلوّاً وإسرافاً في المعاصي وتجبراً وعتوّاً لتمادي دعوة نوح عليه السلام قريباً من ألف سنة، ولأنهم أطول أعماراً وأشدّ أبداناً وكانوا مع ذلك ملء الأرض، روي أنّ الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح عليه السلام فيقول: احذر هذا فإنه كذاب، وإنّ أبي قد مشى بي إلى هذا وقال لي ما قلت لك فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه ولهذا قال نوح عليه السلام: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} (نوح: 26 ـ 27)

وقوله تعالى: {والمؤتفكة} منصوب بقوله تعالى: {أهوى} وقدّم لأجل الفواصل، والمراد بالمؤتفكة قرى قوم لوط رفعها إلى عنان السماء على جناح جبريل عليه السلام، ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها وأتبعها بحجارة النار الكبريتية، وهو قوله تعالى: {فغشاها} أي: أتبعها ما غطاها فكان لها بمنزلة الغشاء وهوّله بقوله تعالى: {ما غشى} أي: أمراً عظيماً من الحجارة المنضودة المسمومة وغيرها مما لا تسع العقول وصفه.

{فبأيّ آلاء} أي: أنعم {ربك} أي: المحسن إليك {تتمارى} أي: تشك أيها الإنسان وقيل: أراد الوليد بن المغيرة وقال ابن عباس: تتمارى أي تكذب وقيل: الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي تشك في إجالة الخواطر في فكرك في إرادة هداية جميع قومك بحيث لا تريد أن أحداً منهم يهلك، وقد حكم ربك بإهلاك كثير منهم لما اقتضته حكمته فكان بعض خواطرك في تلك الإجالة يشكك ببعضها بعضاً.

{هذا} أي: النبي صلى الله عليه وسلم {نذير} أي: محذر بليغ التحذير {من النذر الأولى} أي: من جنسهم أي رسول كالرسل قبله أرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم، وقال تعالى {الأولى} على تأويل الجماعة، أو هذا القرآن نذير من النذر الأولى أي إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم.

{أزفت الأزفة} أي: قربت الموصوفة بالقرب في قوله تعالى: {اقتربت الساعة} (القمر: 1)

وهو يوم القيامة.

{ليس لها من دون الله} أي: من أدنى رتبة من رتبة الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً وقوله تعالى: {كاشفة} يجوز أن يكون وصفاً وأن يكون مصدراً، فإن كان وصفا احتمل أن يكون التأنيث لأجل أنه وصف لمؤنث محذوف تقديره نفس كاشفة، أو حال كاشفة أي مبينة متى تقوم كقول تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو} (الأعراف: 187)

أو ليس لها نفس كاشفة أي قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله تعالى غير أنه تعالى لا يكشفها، أو ليس لها الآن نفس كاشفة بالتأخير وإن كان مصدراً فهي بمعنى الكشف كالعافية والمعنى ليس لها من دون الله كشف أي لا يكشف عنها ولا يظهرها غيره.

{أفمن هذا الحديث} قال: أكثر المفسرين المراد بالحديث القرآن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015