ثم قدم عليه بعد أيام بعض من قرأ تلك الصحيفة وهو يقول. قد قرأت ترجمة قصيدتك وأعجبتني. فهل لك في أن تبادلني الدرس؟ قال هو كما أريد. فأستمرّ يتردد عليه أياماً في خلالها عرّفه بالعالم المشهور مسيو كترمير Quatremere وهذا العالم عرّفه بمدرّس اللغة العربية مسيو كسّان دُبرسُفال Caussin عز وجلe Perceval ثم تعرف أيضاً بالمدرّس الثاني مسيو رينو Reineaud ولكن كانت معرفته بهم كأداة التعريف في قولك أذهب إلى السوق وأشترِ اللحم. ثم زاره أيضاً أحد الأعيان الذين يتقدم أسماءهم أداة دُ وهي علامة النبالة والشرف وهو مسيو دُ بوفورت عز وجلe رضي الله عنهeaufort وكان له أخت في دارها مدرسة تعلم فيها بنات الكبراء. فلما حان وقت امتحانهن في العلم صنعت مأدبة في بعض الليالي وأدبت إليها الفارياقية وزوجها. فقال الفارياق لزوجته. هاك مثالاً على كرم القوم فقد مضى عليك مدة وأنت تشكين من الوحدة ومن بخل من تعرّفت بهم وتقولين أنهم لم يؤدبوك قط. وقد كان يؤدبك في بلاد الإنكليز من كان يعرفك ومن لم يعرفك، حتى أنك كثيراً ما كنت تتضجرين من ذلك. لما أنه كان يلزمك له تغيير زيك ووقت غذائك وحرمانك من الدخان. فأبشري الآن أن أصحابنا بالخير قمينون حريون. قلت كل منهم قمين حريّ. ثم سهرا تلك الليلة عند أخت "ألدّ" الموما إليه على أحسن حال وأصفى بال. فرجعت الفارياقية إلى منزلها بقلب آخر وهي تقول. نعم لقد تفضل بوفورت وأحسن كل الإحسان. وقد رأيت من نساء الفرنساوية من البشاشة والطلاقة ما لم أكن أصدقه. نعم ويعجبني منهن هذه الغنة والخنة التي تكثر في كلامهن وهذا هو الذي جعل اللغة الفرنساوية فيما أظن مستحبة. وهي من الأولاد أشجى وأطرب. فقلت الظاهر أن العرب أيضاً تحب هذه الخنخنة. فقد قال سيدي صاحب القاموس نخِم وتنخّم دفع بشيء من صدره أو أنفه. ونخَم لعب وغنى أجود الغناء. فضحكت وقالت أظن صاحبك كان يهوى مخنخنة وإني أشفق من أنك لا تلبث أن تسري إليك عدواه. سلمت بان الغنة بل اللثغة بل اللدغة تستحب من الغلمان والجواري. ولكن هل يطيق فتى أن يسمع عجوزاً خفخافه تخنخن عليه في أنفه. وهل تطيق شابة خُنّة شيخ هرم في خياشمها.

نعم ويعجبنيمن العامة في باريس أنهم لا يسخرون من الغريب إذا رأوه مخالفهم لهم في زيه وأطواره بخلاف سفلة لندن فأنهم يسلقونه بالكلام. ربما تكلف الواحد منهم أن يناديه من مكان بعيد حتى يبح وما ذلك إلا ليقول له أنك يا غريب دموي ملعون. ولعلي في ذلك مخطئة. قال فقلت بل مصيبة فإن جميع الناس يثنون على أدب الفعلة وسائر العامة في باريس وعلى حسن كلامهم. لبثا مدة وهما يقابلان محاسن باريس بمحاسن لندن. فمما كرهت الفارياقية في باريس غاية الكراهة هو إن النساء يرخَّص لهن في دخول الديار مهما يكن من تخالف أنواعهما. وزعمت أن ترتيب الديار في لندن بهذا الاعتبار أحسن. فقال لها الفارياق لا ينكر أن ديار لندن أحسن ترتيباً باعتبار أن درجها قليل وإن سكانها قليلون ملازمون للسكون. وإن أعتابها تحك في كل يوم. وإن في مطابخها ربلات قديمة وإن داخلها مهندم مفروش بالبسط الجيدة إلا أنها بلون النار. فأما ديار باريس فأنها أبقى على الأحوال ومنظرها في الخارج أزهى. فأما مع المومسات عن دخول تلك وترخيصهن في دخول هذه فهو في دليل على أتصاف المومسات في باريس بالأدب. بخلاف مومسات لندرة فإنهن يتهتكن في الشرب والمومس. ولذلك منعن من الدخول إلى السكان. وهناك سبب آخر وهو أن بغايا باريس معروفات في ديوان البوليس وأسماؤهن مقيَّدة فيه. فلا يتجرأن على التفاحش والتهتك وإن كن فواحش. فأما بغايا لندره فقد خُلّين وطباعهن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015