أنا في وحشة من الإنس وحدي ... لا تراني فلانة وفلان

عيشة لو أريتها في منام ... ما شجتني من بعدها الألحان

فبعث إليه الرئيس بأرغفة لازوان فيها ومعها هذان البيتان:

وصلتني الأبيات يا فرقيان ... إنما نحن في الدنيا رهبان

ما عندنا طعام كما تشتهي ... ولا نبيذ ولا نسوان

فهرول إليه الفارياق ليعاتبه على تغيير اسمه. فرأى في الدير إحدى نساء الأمراء كانت قد جاءت إلى الدير استئماناً من العساكر فلما رآها قال له قد شفع الخبز سيدي في وزن البيتين ولكن لم غيرت اسمي. ثم تذكر السيدة فقال وقلت أيضاً أنكم رهبان وما عندكم نسوان. وها أنا أرى عندكم سيدة زهراء قد ملأت الطنفسة شحماً ولحماً قال إنما غيرت اسمك لأجل القافية وهو جائز للشعراء. وأما قولي ما عندنا نسوان أي ليس لنا أزواج. ولكن لا ننكر أن عندنا نساء غيرنا يزرننا أحياناً للبركة. قال أيكم يحصل ذلك. فلم يفهم لكن السيدة فطنت لذلك ودعته إلى الاركيلة المعروفة فلبث عندها ساعة شفعت في تغيير اسمه أيضاً.

وآب إلى صومعته راضياً. فوجد رئيس المعّبر قد تعكبش في رأسه غصن من أغصان الحلم الأول فزاده خبالا. فكان يقول إذا سمع صوت الطبول من خيام العسكر وإذا ابصر بريق سلاحهم. ألا تسمعون طبل الشيطان. يضرب به بعض الرهبان. ألا تبصرون قرون الشيطان. كيف تتقد منها النيران. إذ تحتك بها النسوان. والسيدة زوجته غير مكترثة بصراخه ولا بتخييم العسكر قرب الدير لأن حب الغصن لم يدع في قلبها موضعاً لغيره ثم منّ الله تعالى بإصلاح الحال فسارت العساكر من البلاد وأمنت الطرق والمسالك وسكن صاحب المعبر. فرأى أن يذهب إلى مدينة دمشق ويمر ببعلبك ليرى قلعتها العجيبة. فاكتروا لهم خيلاً وبغالاً وعزموا على السفر.

السفر من الدير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015