ودامت دولة الإشارة بينهما أياماً مديدة من دون كلام. فلما أعجزت الأيدي وسائر الجوارح عن ترجمة ما في القلب وخصوصاً لبُعد ما بينهما احتالا على أن يجتمعا في مكان بحيث يرى المحب حبيبه. فلما بصر بها عن قريب وجدها والفضل لمخترع الزي المصري عنْدلة جزْلة. إذ لو كانت متردية بالزي الإفرنجي لما عرف هل كان ما في صدورها عِهْنا أو بِرْسا أو قطنا. أو خُرْفعا أو عُطْما. أو بَيْلما. أو قِشْبرا أو حريراً أو نَوْذلا أو كان ما وراءها عُظامة أو لحماً وشحماً فال وهاتان الصفتان أعني العندلية والجزلية أحسن ما يراد من المرأة فإن الأولى تشفع في الكون الأمامي والثانية في الكون الخلفي قلت وقد جاء عن سيدنا سليمان عليه السلام مدح العندلية بقوله في الفصل الخامس من سفر الأمثال فليروينك ثدياها في كل حين. ولقائل أن يقول أن العهن وأخواته مع وجود اليد والجتّ إذا جمع الجسمين مكان لا يمنع من تحقق الصفتين المذكورتين. والجواب أن ذلك محظور غالباً في البلاد المشرقية ولا سيما من أول مرة فأما عند غيرهم فلا محظور منه ولذلك شاع استعمال العظامات عندهم بلا نكير. ثم حيث تقدم لنا في الكتاب الأول وصف الحمار على أسلوب إفرنجي فلا بأس هنا أيضاً في وصف الرجل قُبيل الزواج على النسق المذكور فنقول. أنه مدة تعلله بغبطة الزواج وتلحزه من لذاته، لا يخطر بباله شيء من مستأنف آفاته. وإنما يخطر في حدسه ويقول في نفسه أن حالتي لا تكون كحالة معارفي وجيراني الذين تزوجوا وأخطأتهم الأماني إذا هم لم يؤدوا الزواج حقه. ولم يأخذوا في أسبابه بالثقة. لأن منهم من باعل، وهو غير كفو لهذا العمل. أما لصفر راحته، أو لعدم سماحته، أو لمبانية سنة عن سن زوجته أو لضعف في آلته. أو لأنه من الزمالقية على شفا. أو لأن جاره كان يخالفه إلى عطنه. أو لأن أمه كانت رقيباً على امرأته. أو لأن أمامه كان ضيزناً له على مائدته. فلذلك ثار بينهما النقار، وطال النفار. فقُدّ القميصان من قُبُل ومن دُبُر. ونتف الشعران والصخب كثر وخدش الجلدان خدشاً بالظُفُر. وأنتن الريحان من فوق السرر.

أما أنا فإني بحمد الله خال عن هذه الخلال. فلا تحول لي مع زوجتي حال. ولا تزاحمني فيها الرجال. ولا يعتريها مني ملال. فرضاي رضاها. ومناي مناها. وما أنا بأدرم ولا أبخرز. ولا أحدب ولا أخنب. وأن لي يدين أعمل بهما ورجلين أسعى عليهما. وأن يكن بي عيب في خلقي يستره عني حسن خُلُقي. فإني لا أعارضها في طعامها. ولا في لباسها ومنامها. بحيث تنام إلى جني. وتتخذ من الملبوس ما يليق بها وبي. فما يمنعني من اتخاذ قرينة. تكون على هذه الصفة الميمونة. حتى إذا سمع الناس بأن زوجي عَرُوب وعرضها عندي مصون ووجهها عن المراود محجوب، حسدوني على هذه النعمة السابغة فكان لي كل غصة من العيش سائغة ولا يخفى كم في كيد الحسود من لذة، لا تتقاعس عنها إلا لذه ما عدا ارتياح النفس إلى الجنس الأنيس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015