786 - قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (?): أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري (?) (بسرخس) (?) أخبرنا أبو علي الفضل بن منصور بن نصر الكاغذي السمرقندي إجازة حدثنا الهيثم بن كليب حدثنا أبو بكر عمار بن إسحاق حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: كنّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ نزل جبريل عليه السلام فقال: يا رسول الله إنّ فقراء أمّتك يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، وهو نصف يوم. ففرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أفيكم مَن ينشِدنا؟). فقال بدويٌ: نعم يا رسول الله. فقال: (هات هات). فأنشد البدوي (?):

قد لَسَعت حيّة الهوى كبدي ... فلا طبيب لها ولا راقي

إلا الحبيبُ (?) الذي شغِفتُ به ... فعنده رقيتي وترياقي

فتواجد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وتواجد الأصحاب حتى سقط رداؤه عن منكبه (?)، فلمّا فرغوا أوى كلُّ واحد إلى مكانه، قال (?) معاوية بن أبي سفيان: ما أحسن لعبكم يا رسول الله. فقال: (مه يا معاوية! ليس بكريم من لم يهتزَّ عند [سماع ذكر] الحبيب) (?).

-[658]-

ثم اقتُسم (?) رداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين حاضرهم بأربعمائة قطعة (?).

قال ابن طاهر: تفرد به أبو بكر عمّار بن إسحاق عن سعيد بن عامر، انتهى.

أخرجه الديلمي (?) عن محمد بن طاهر به.

رأيتُ بخطِّ الحافظ تقي الدين الصريفيني عقب هذا الحديث: سئل الحافظ أبو موسى المديني عن هذا الحديث فكتب ما نصُّه: لا أصل لهذا الحديث بهذا السياق، والظاهر أنّه موضوع، وقد سمعتُ غير واحد مِن أهل العلم علي المقدسيَّ بإيراد هذا الحديث في كتابه، انتهى.

وأورده السهروردي في (العوارف) (?) وقال: يخالج سرّي أنّه غير صحيح، وقد تكلّم فيه أصحاب الحديث، والقلب يأبى قبولَه.

وقال الإمام سيف الدين بن أبي المجد: لا تعصُّب أبلغ مِن إيراد هذا الحديث الذي لا يخفى وضعُه على الجهّال، فلو جفّت (?) يداه عن كتابته لكان خيراً له، وقد نظرتُ في شيوخ الهيثم بن كليب فلم أرَ فيهم شيخاً يقال له عمار بن إسحاق، ولعل شيخ ابن طاهر اختلقه.

-[659]-

قال: وقد وقفتُ على استفتاءٍ في هذا الحديث بخطِّ شمس الدين بن طرخان، فرأيتُ عليه بخطِّ الإمام شيخ الإسلام أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي ما نصُّه: الجواب وبالله التوفيق: إنّ هذا الحديث غير صحيح لأمور؛ أحدها: أنّ محمد بن طاهر وإن كان حافظاً فلا يُحتجّ بحديثه كما ذكره ابن السمعاني عن جماعة من شيوخه أنّهم تكلموا فيه ونسبوه إلى مذهب الإباحية، وعنده مناكير في كتابه المسمّى بـ (صفة أهل التصوّف)، وهذا الحديث منها، وله في إباحة اللهو والغناء والرقص مناكير، روى فيه عن مالك وغيرِه مِن أئمة الهدى المتقدمين حكايات منكرة باطلة قطعاً. وقال محمد بن ناصر: محمد بن طاهر ليس بثقة. وقد قيل إنّ هذا الحديث اتُّهم بوضعه الفضلُ بن منصور الكاغذي السمرقندي أو مَن وَضَعه عليه. ثم إنّ هذا الحديث هنا مِن رواية مَن وراء النهر، وهم كثيرو الغرائب التي لا تُعرف والموضوعات. قال بعض الحفاظ مِمّن ورد تلك البلاد: أهلُ تلك الناحية كثيرو الغرائب والمناكير أو نحو هذا.

الثاني: أنّ الواقف على متن هذا الحديث يظهر له أنّه مصنوع موضوع لأنّ الشِّعر الذي فيه لا يناسب شعر العرب ولا يليق بجزالة شِعرهم وألفاظهم، وإنّما يليق بشعر المولّدين؛ يدرِك ما ذكرناه بالذوق الضروري مَن له خبرة بشعر العرب والمولّدين، وكذلك ألفاظ متن الحديث لا تليق بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بكلام أصحابه، وكذلك معناه لا يليق بهم للذي صحَّ عندنا مِن أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحوال أصحابه مِن الجدّ والاجتهاد وحسن الهيئة، وكذلك تمزيق الرداء أربعمائة قطعة لا يليق بهم، وكيف يفعل هذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نهى عن إضاعة المال؟

-[660]-

كلُّ ذلك يُبعده الحسُّ وتنفر منه النفس، حتى قد ذكر الشيخُ شهاب الدين السهروردي هذا الحديث ثم قال: ويخالج فِكري أنّه غير صحيح ويأبى القلبُ قبوله.

الثالث: أنّ هذا الحديث مِمّا تنكره قلوبُ العلماء، وتقشعر منه جلود الفضلاء، وما كان كذلك فلا يقوله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بدليل قوله عليه السلام: "إذا حُدِّثتم عنّي بحديثٍ تعرفونه ولا تنكرونه فصدِّقوا به، وما تنكرونه فكذِّبوه" (?)، والله أعلم؛ وكتبه عبد الرحمن المقدسي الحنبلي.

وكتب تحته الإمامُ محيي الدين أبو زكريا النواوي ما نصُّه: الحديثُ المسؤول عنه باطل لا تحلّ روايته ولا نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وُيعزَّر مَن رواه عالماً بحاله تعزيراً بليغاً. ولا يُغتَرّ بكونه في (عوارف المعارف) وغيره، والله أعلم؛ كتبه يحيى النواوي.

وذكر الإمامُ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم المالكي في كتاب (كشف القناع عن مسائل الوجد والسماع) هذا الحديث، وأجاب فيه بما أجاب الشيخ شمس الدين بعينه، فكأنه نقله منه؛ انتهى. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015