باب الوصية

الكبيرة السابعة والثلاثون بعد المائتين الإضرار في الوصية

[بَابُ الْوَصِيَّةِ] [الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ]

الْكَبِيرَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ)

قَالَ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 12] {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 13] أَيْ فِي شَأْنِ الْمَوَارِيثِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْأَحْسَنُ بَقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [النساء: 13] {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [النساء: 14] أَيْ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ مِنْ الْمَوَارِيثِ عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَفِيهِ مَا مَرَّ: {يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 14] أَيْ أَبَدًا إنْ اسْتَحَلَّ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ {وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 14] أَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْإِضْرَارَ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَقَّبَهُ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ قُصُورٌ، عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ خَرَّجَ النَّسَائِيُّ عَنْهُ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ» ثُمَّ تَلَا: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [النساء: 13] «فَقَدْ صَرَّحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الْإِضْرَارَ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَسِيَاقُ الْآيَةِ شَاهِدٌ لِذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ» .

قَالَ ابْنُ عَادِلٍ فِي تَفْسِيرِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الْإِضْرَارَ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ يُقِرَّ بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بَعْضِهِ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِدَيْنٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ دَفْعًا لِلْمِيرَاثِ عَنْ الْوَرَثَةِ، أَوْ يُقِرَّ بِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ، أَوْ يَبِيعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ رَخِيصٍ، وَيَشْتَرِي شَيْئًا بِثَمَنٍ غَالٍ كُلُّ ذَلِكَ لِغَرَضِ أَنْ لَا يَصِلَ الْمَالُ إلَى الْوَرَثَةِ، أَوْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ لَا لِوَجْهِ اللَّهِ لَكِنْ لِغَرَضِ تَنْقِيصِ الْوَرَثَةِ فَهَذَا هُوَ الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ.

وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أَنَّ الرَّجُلَ يَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً وَحَافَ فِي وَصِيَّتِهِ خُتِمَ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ سَبْعِينَ سَنَةً فَيَعْدِلُ فِي وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرِ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ» . «وَقَالَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ: مَنْ قَطَعَ مِيرَاثًا فَرَضَهُ اللَّهُ قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ» .

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [النساء: 13] قَالَ، ابْنُ عَبَّاسٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015