الروح (صفحة 93)

قَالَ أَبُو عمر هَذِه الْآثَار كلهَا تدل على أَنهم الشُّهَدَاء دون غَيرهم وَفِي بَعْضهَا فِي صور طير وَفِي بَعْضهَا فِي أَجْوَاف طير وَفِي بَعْضهَا كطير خضر قَالَ والذى يشبه عندى وَالله أعلم أَن يكون القَوْل قَول من قَالَ كطير أَو صور طير لمطابقته لحديثنا الْمَذْكُور يُرِيد حَدِيث كَعْب ابْن مَالك وَقَوله فِيهِ نسمَة الْمُؤمن كطائر وَلم يقل فِي جَوف طَائِر

قَالَ وروى عِيسَى بن يُونُس حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن الْأَعْمَش عبد الله بن مرّة عَن مَسْرُوق عَن عبد الله كطير خضر

قلت والذى فِي صَحِيح مُسلم فِي أَجْوَاف طير خضر

قَالَ أَبُو عمر فعلى هَذَا التَّأْوِيل كَأَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا نسمَة الْمُؤمن من الشُّهَدَاء طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة

قلت لَا تنَافِي بَين قَوْله نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَبَين قَوْله إِن أحدكُم إِذا مَاتَ عرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى إِن كَانَ من أهل الْجنَّة فَمن أهل الْجنَّة وَإِن كَانَ من أهل النَّار فَمن أهل النَّار وَهَذَا الْخطاب يتَنَاوَل الْمَيِّت على فرَاشه والشهيد كَمَا أَن قَوْله نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة يتَنَاوَل الشَّهِيد وَغَيره وَمَعَ كَونه يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده بِالْغَدَاةِ والعشى ترد روحه أَنهَار الْجنَّة وتأكل من ثمارها

وَأما المقعد الْخَاص بِهِ وَالْبَيْت الذى أعد لَهُ فانه إِنَّمَا يدْخلهُ يَوْم الْقِيَامَة وَيدل عَلَيْهِ أَن منَازِل الشُّهَدَاء ودورهم وقصورهم الَّتِي أعد الله لَهُم لَيست هِيَ تِلْكَ الْقَنَادِيل الَّتِي تأوى اليها أَرْوَاحهم فِي البرزخ قطعا فهم يرَوْنَ مَنَازِلهمْ ومقاعدهم من الْجنَّة وَيكون مستقرهم فِي تِلْكَ الْقَنَادِيل الْمُعَلقَة بالعرش فان الدُّخُول التَّام الْكَامِل إِنَّمَا يكون يَوْم الْقِيَامَة وَدخُول الْأَرْوَاح الْجنَّة فِي البرزخ أَمر دون ذَلِك

وَنَظِير هَذَا أهل الشَّقَاء تعرض أَرْوَاحهم على النَّار غدوا وعشيا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخلُوا مَنَازِلهمْ ومقاعدهم الَّتِي كَانُوا يعرضون عَلَيْهَا فِي البرزخ فتنعم الْأَرْوَاح بِالْجنَّةِ فِي البرزخ شَيْء وتنعمها مَعَ الْأَبدَان يَوْم الْقِيَامَة بهَا شَيْء آخر فغذاه الرّوح من الْجنَّة فِي البرزخ دون غذائها مَعَ بدنهَا يَوْم الْبَعْث وَلِهَذَا قَالَ تعلق فِي شجر الْجنَّة أى تَأْكُل الْعلقَة وَقَامَ الْأكل وَالشرب واللبس والتمتع فَإِنَّمَا يكون إِذا ردَّتْ إِلَى أجسادها يَوْم الْقِيَامَة فَظهر أَنه لَا يُعَارض هَذَا القَوْل من السّنَن شَيْء وَإِنَّمَا تعاضده السّنة وتوافقه

وَأما قَول من قَالَ إِن حَدِيث كَعْب فِي الشُّهَدَاء دون غَيرهم فتخصيص لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يدل عَلَيْهِ وَهُوَ حمل اللَّفْظ الْعَام على أقل مسمياته فَإِن الشُّهَدَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمُوم الْمُؤمنِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015