الروح (صفحة 191)

الْمعينَة عاشقة للبدن الْمعِين بَاطِل وَمِثَال ذَلِك العطشان إِذا صَادف آنِية مُتَسَاوِيَة كل مها يحصل غَرَضه امْتنع عَلَيْهِ أَن يعشق وَاحِدًا مِنْهَا بِعَيْنِه دون سائرها

الْوَجْه الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة أَن نفس الْإِنْسَان لَو كَانَت جوهرا مُجَردا لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا مُتَّصِلَة بالعالم وَلَا مُنْفَصِلَة عَنهُ وَلَا مباينة وَلَا مجانبة لَكَانَ يعلم بِالضَّرُورَةِ أَنه مَوْجُود بِهَذِهِ الصّفة لِأَن علم الْإِنْسَان بِنَفسِهِ وصفاتها أظهر من كل مَعْلُوم وَأَن علمه بِمَا عداهُ تَابع لعلمه بِنَفسِهِ وَمَعْلُوم قطعا أَن ذَلِك بَاطِل فَإِن جَمَاهِير أهل الأَرْض يعلمُونَ أَن إِثْبَات هَذَا الْوُجُود محَال فِي الْعُقُول شَاهدا وغائبا فَمن قَالَ ذَلِك فِي نَفسه وربه فَلَا نَفسه عرف وَلَا ربه عرف

الْوَجْه الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة أَن هَذَا الْبدن الْمشَاهد مَحل لجَمِيع صِفَات النَّفس وإدراكاتها الْكُلية والجزئية وَمحل للقردة على الحركات الإرادية فَوَجَبَ أَن يكون الْحَامِل لتِلْك الإدراكات وَالصِّفَات هُوَ الْبدن وَمَا سكن فِيهِ أما أَن يكون محلهَا جوهرا مُجَردا لَا دَاخل الْعَالم وَلَا خَارجه فَبَاطِل بِالضَّرُورَةِ

الْوَجْه الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة أَن النَّفس لَو كَانَت مُجَرّدَة عَن الجسمية والتحيز لامتنع أَن يتَوَقَّف فعلهَا على مماسة مَحل الْفِعْل لِأَن مَا لَا يكون متحيزا يمْتَنع أَن يصير مماسا للمتحيز وَلَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ فعلهَا على سَبِيل الاختراع من غير حَاجَة إِلَى حُصُول مماسة وملاقاة بَين الْفَاعِل وَبَين مَحل الْفِعْل فَكَانَ الْوَاحِد منا يقدر على تَحْرِيك الْأَجْسَام من غير أَن يماسها أَو يماس شَيْئا يماسها فَإِن النَّفس عنْدكُمْ كَمَا كَانَت قادرة على تَحْرِيك الْبدن من غير أَن يكون بَينهَا وَبَينه مماسة كَذَلِك لَا تمنع قدرتها على تَحْرِيك جسم غَيره من غير مماسة لَهُ وَلَا لما يماسه وَذَلِكَ بَاطِل بِالضَّرُورَةِ فَعلم أَن النَّفس لَا تقوى على التحريك إِلَّا بِشَرْط أَن تماس مَحل الْحَرَكَة أَو تماس مَا يماسه وكل مَا كَانَ مماسه للجسم أَو لما يماسه فَهُوَ جسم فَإِن قيل يجوز أَن يكون تَأْثِير النَّفس فِي تَحْرِيك بدنهَا الْخَاص غير مَشْرُوط بالمماسة وتأثيرها فِي تَحْرِيك غَيره مَوْقُوف على حُصُول المماسة بَين بدنهَا وَبَين ذَلِك الْجِسْم فَالْجَوَاب أَنه لما كَانَ قبُول الْبدن لتصرفات النَّفس لَا يتَوَقَّف على حُصُول المماسة بَين النَّفس وَبَين الْبدن وَجب أَن تكون الْحَال كَذَلِك فِي غَيره من الْأَجْسَام لِأَن الْأَجْسَام مُتَسَاوِيَة فِي قبُول الْحَرَكَة وَنسبَة النَّفس إِلَى جَمِيعهَا سَوَاء لِأَنَّهَا إِذا كَانَت مُجَرّدَة عَن الحجمية وعلائق الحجمية كَانَت نِسْبَة ذَاتهَا إِلَى الْكل بِالسَّوِيَّةِ وَمَتى كَانَت ذَات الْفَاعِل نسبتها إِلَى الْكل بِالسَّوِيَّةِ والقوابل نسبتها إِلَى ذَلِك الْفَاعِل بِالسَّوِيَّةِ كَانَ التَّأْثِير بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل على السوَاء فَإِذا اسْتغنى الْفَاعِل عَن مماسة مَحل الْفِعْل فِي حق الْبَعْض وَجب أَن يَسْتَغْنِي فِي حق الْجَمِيع وَإِن افْتقر إِلَى المماسة فِي الْبَعْض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015