الروح (صفحة 165)

إِن كَانَ أَخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِ بعد الْبلُوغ وَتَمام الْعقل قيل لَهُ أَن معنى ثمَّ ردهم فِي ظَهره ثمَّ يردهم فِي ظَهره كَمَا قُلْنَا إِن معنى أَخذ رَبك يَأْخُذ رَبك فَيكون مَعْنَاهُ ثمَّ يردهم فِي ظَهره بوفاتهم لأَنهم إِذا مَاتُوا ردوا إِلَى الأَرْض للدفن وآدَم خلق مِنْهَا ورد فِيهَا فَإِذا ردوا فِيهَا فقد ردوا فِي آدم وَفِي ظَهره إِذْ كَانَ آدم خلق مِنْهَا وفيهَا رد وَبَعض الشَّيْء من الشَّيْء وَفِيمَا ذهبتم إِلَيْهِ من تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث على ظَاهره تفَاوت بَينه وَبَين مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن فِي هَذَا الْمَعْنى إِلَّا أَن يرد تَأْوِيله إِلَى مَا ذكرنَا لِأَنَّهُ عز وَجل قَالَ {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} وَلم يذكر آدم فِي الْقِصَّة إِنَّمَا هُوَ هَاهُنَا مُضَاف إِلَيْهِ لتعريف ذُريَّته أَنهم أَوْلَاده وَفِي الحَدِيث أَنه مسح ظهر آدم فَلَا يُمكن رد مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن وَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث إِلَى الِاتِّفَاق إِلَّا بالتأويل الذى ذَكرْنَاهُ

قَالَ الْجِرْجَانِيّ وَأَنا أَقُول وَنحن إِلَى مَا روى فِي الْآيَة عَن رَسُول الله وَمَا ذهب إِلَيْهِ أهل الْعلم من السّلف الصَّالح أمثل وَله أقبل وَبِه آنس وَالله ولي التَّوْفِيق لما هُوَ أولى وَأهْدى على أَن بعض أَصْحَابنَا من أهل السّنة قد ذكر فِي الرَّد على هَذَا الْقَائِل معنى يحْتَمل ويسوغ فِي النّظم الْجَارِي ومجاز الْعَرَبيَّة بسهولة وَإِمْكَان من غير تعسف وَلَا استكراه وَهُوَ أَن يكون قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم} مُبْتَدأ خبر من الله عز وَجل عَمَّا كَانَ مِنْهُ فِي أَخذ الْعَهْد عَلَيْهِم وَإِذ تَقْتَضِي جَوَابا يَجْعَل جَوَابه قَوْله تَعَالَى {قَالُوا بلَى} وَانْقطع هَذَا الْخَبَر بِتمَام قصَّته ثمَّ ابْتَدَأَ عز وَجل خَبرا آخر بِذكر مَا يَقُوله الْمُشْركُونَ يَوْم الْقِيَامَة فَقَالُوا شَهِدنَا يَعْنِي نشْهد كَمَا قلا الحطيئة

شهد الحطيئة حِين يلقى ربه ... أَن الْوَلِيد أَحَق بالعذر

بِمَعْنى يشْهد الحطيئة يَقُول تَعَالَى نشْهد أَنكُمْ ستقولون يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَي عَمَّا هم فِيهِ من الْحساب والمناقشة والمؤاخذة بالْكفْر ثمَّ أضَاف إِلَيْهِ خَبرا آخر فَقَالَ {أَو تَقولُوا} بِمَعْنى وَأَن تَقولُوا لِأَن أَو بِمَعْنى وَاو النسق مثل قَوْله تَعَالَى {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} فتأويله ونشهد أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ} أَي أَنهم أشركوا وحملونا على مَذْهَبهم فِي الشّرك فِي صبانا فجرينا على مذاهبهم وافتدينا بهم فَلَا ذَنْب إِذْ كُنَّا مقتدين بهم والذنب فِي ذَلِك لَهُم قُولُوا {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مقتدون} يدل على ذَلِك قَوْلهم {أفتهلكنا بِمَا فعل المبطلون} أَي حملهمْ إيانا على الشّرك فَتكون الْقِصَّة الأولى خَبرا عَن جَمِيع المخلوقين بِأخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم والقصة الثَّانِيَة خبر عَمَّا يَقُول الْمُشْركُونَ يَوْم الْقِيَامَة من الِاعْتِذَار

وَقَالَ فِيمَا ادَّعَاهُ الْمُخَالف أَنه تفَاوت فِيمَا بَين الْكتاب وَالْخَبَر لاخْتِلَاف ألفاظهما فيهمَا قولا يجب قبُوله بالنظائر والعبر الَّتِي تأيد بهَا لمُخَالفَته فَقَالَ إِن الْخَبَر عَن رَسُول الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015