الروح (صفحة 162)

من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ دَلِيلا على هَذَا التَّأْوِيل لِأَنَّهُ عز وَجل أعلم أَن هَذَا الْأَخْذ للْعهد عَلَيْهِم لِئَلَّا يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة انا كُنَّا عَن هَذَا غافلين والغفلة هَا هُنَا لَا تَخْلُو من أحد وَجْهَيْن أما أَن تكون عَن يَوْم الْقِيَامَة أَو عَن أَخذ الْمِيثَاق فَأَما يَوْم الْقِيَامَة فَلم يذكر سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه أَنه أَخذ عَلَيْهِم عهدا وميثاقا بِمَعْرِِفَة الْبَعْث والحساب وَإِنَّمَا ذكر مَعْرفَته فَقَط وَأما أَخذ الْمِيثَاق فالأطفال والإسقاط إِن كَانَ هَذَا الْعَهْد مأخوذا عَلَيْهِم كَمَا قَالَ الْمُخَالف فهم لم يبلغُوا بعد أَخذ هَذَا الْمِيثَاق عَلَيْهِم مبلغا يكون مِنْهُم غَفلَة عَنهُ فيجحدونه وينكرونه فَمَتَى تكون هَذِه الْغَفْلَة مِنْهُم وَهُوَ عز وَجل لَا يؤاخذهم بِمَا لم يكن مِنْهُم وَذكر مَا لَا يجوز وَلَا يكون محَال وَقَوله تَعَالَى {أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ} فَلَا يَخْلُو هَذَا الشّرك الذى يؤاخذون بِهِ أَن يكون مِنْهُم أنفسهم أَو من آبَائِهِم فان كَانَ مِنْهُم فَلَا يجوز أَن يكون ذَلِك إِلَّا بعد الْبلُوغ وَثُبُوت الْحجَّة عَلَيْهِم إِذْ الطِّفْل لَا يكون مِنْهُ شرك وَلَا غَيره وان كَانَ من غَيرهم فالأمة مجمعة على أَن لَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى كَمَا قَالَ عز وَجل فِي الْكتاب وَلَيْسَ هَذَا بمخالف لما روى عَن النَّبِي أَن الله مسح ظهر آدم وَأخرج مِنْهُ ذُريَّته فَأخذ عَلَيْهِم الْعَهْد لِأَنَّهُ اقْتصّ قَول الله عز وَجل فجَاء مثل نظمه فَوضع الْمَاضِي من اللَّفْظ مَوضِع الْمُسْتَقْبل قَالَ وَهَذَا شَبيه الْقِصَّة بِقصَّة قَوْله تَعَالَى وَإِذ أَخذ مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لنؤمن بِهِ فَجعل سُبْحَانَهُ مَا أنزل على الْأَنْبِيَاء من الْكتاب وَالْحكمَة ميثاقا أَخذه من أممهم بعدهمْ يدل على ذَلِك قَوْله تَعَالَى {ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه} ثمَّ قَالَ للأمم {أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنا مَعكُمْ من الشَّاهِدين} فَجعل سُبْحَانَهُ الْأُمَم كِتَابه الْمنزل على أَنْبِيَائهمْ حجَّة كأخذ الْمِيثَاق عَلَيْهِم وَجعل معرفتهم بِهِ إِقْرَارا مِنْهُم قلت وشبيه بِهِ أَيْضا قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سمعنَا وأطعنا} فَهَذَا ميثاقه الذى أَخذه عَلَيْهِم بعد إرْسَال رسله إِلَيْهِم بِالْإِيمَان بِهِ وتصديقه وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى وَالَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق وَقَوله تَعَالَى {ألم أَعهد إِلَيْكُم يَا بني آدم أَن لَا تعبدوا الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين وَأَن اعبدوني هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم} فَهَذَا عَهده إِلَيْهِم على السّنة رسله وَمثله قَوْله تَعَالَى لبنى إِسْرَائِيل {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} وَمثله وَإِذ أَخذ مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبينه للنَّاس وَلَا تكتمونه وَقَوله تَعَالَى {وَإِذ أَخذنَا من النَّبِيين ميثاقهم ومنك وَمن نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وأخذنا مِنْهُم ميثاقا غليظا} فَهَذَا مِيثَاق أَخذه مِنْهُم بَعثهمْ كَمَا أَخذ من أممهم بعد إِنْذَارهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015