لا تكون حياة أحد كاملة إلا إذا كانت معلومة للناس، وحياة محمد صلّى الله عليه وسلم من ميلاده إلى ساعة وفاته معلومة التفاصيل بجميع دخائلها.

سادتي وإخواني! موضوع كلامنا اليوم في أنّ السيرة المحمّدية هي السيرة التامّة الكاملة الشاملة لجميع أطوار الحياة، وما من حياة أحد- مهما بلغت من صحة التاريخ وثبوت الرواية- يصح أن يكون منها للناس أسوة تتبع ومثال يقتدى به إلا إذا كانت متصفة بالكمال، ولا تكون حياة أحد كاملة ومنزهة عن العيوب والمثالب إلا إذا كانت معلومة للناس بجميع أطوارها، ومتجلية لهم دخائلها من كلّ مناحيها. وحياة محمد صلّى الله عليه وسلم من ميلاده إلى ساعة وفاته معلومة للّذين عاصروه، وشهدوا عهده، وقد حفظها التاريخ عنهم لمن بعدهم، وهو في

حياته لم يحتجب عن عيون قومه إلا مدّة يسيرة ليعدّ عدّته للمستقبل، وليهيّىء الأسباب لحياته القابلة. إنّ جميع شؤونه وأطوار حياته- من ولادته، ورضاعه، وطفولته إلى أن صار يافعا وشابا- كلّ ذلك ظاهر أمره، معلومة تفاصيله. وقد علم التاريخ عن هذا النبي صلّى الله عليه وسلم باشتغاله في التجارة، وكيفية زواجه، وعلم الناس سجاياه في صداقته، وفي وفائه للناس قبل النبوة، واتصلوا به حين اتخذوه أمينا، وأقاموه حكما فيما اختلفوا فيه من نصب الحجر الأسود في موضعه من الكعبة، ثم وقفوا على أمره حين حبّب الله إليه الخلوة، فاعتزلهم في غار حراء، ثم علموا حاله حين نزل عليه الوحي من ربّ العالمين، وحين بدأ أمر الإسلام يظهر للوجود، فأخذ يدعو الناس إليه، ويبلغ ما أنزل عليه.

وقد رأى التاريخ كيف خالفوه وعاندوه. وهل غاب عن التاريخ ما لقي صلّى الله عليه وسلم في نشر الإسلام من جهد وعناء، وما قابله به أهل الطائف حين سار إليهم ينهاهم عن عبادة الأوثان؟ ويأمرهم بعبادة الرحمن. وهل نسي التاريخ حين أخبر أهل مكّة- وهم أقلية قليلة من المسلمين وأكثرية ساحقة من المشركين- بخبر العروج به إلى السماء؟ ثم هل خفي عن التاريخ أمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015