المحاضرة الثانية السيرة المحمدية هي العامة الخالدة

السيرة المحمّدية هي السيرة التاريخيّة:

إخواني! أنا لا أقول ما أقول جزافا وادّعاء منّي لأجل عقيدة لي خاصّة أعتقدها، وإنما هي حقيقة يشهد لها التاريخ، وتؤيدها البراهين، والدّلائل، وإنّ السيرة التي يحقّ لصاحبها أن يتّخذ الناس من حياته أسوة حسنة، ومثلا أعلى، يشترط لها قبل كل شيء أن تكون سيرة «تاريخيّة» ، أما السيرة القائمة على أساطير، وأحاديث خرافة، لا تدعمها الروايات الموثوق بصحّتها؛ فإنّ من طبيعة الإنسان ألايتأثر بما يحكى له من سيرة لشخصية مفترضة، لا يعرف لها التاريخ أصلا صحيحا، وإنّما اختلق لها المناقب أناس أحسنوا الظنّ بها، فرفعوا مكانها، وقد يخدعون بهذه المناقب بعض الناس أمدا قصيرا حين يعرضونها عليهم في حلّة قشيبة من الألفاظ، وثوب قشيب (?) من العبارات، ثم لا تلبث الحقيقة أن تظهر من وراء غلائل الأوهام، فيعرض الناس عنها إعراضا؛ لأنها قامت على غير أساس من التاريخ. إذا فلا بدّ لكلّ سيرة من سير الكمال الإنسانيّ يدعى الناس إلى الاقتداء بها، واتخاذها أسوة أن يدعمها التاريخ، ويشهد لها المحقّقون، ولهذا نرى النفوس البشرية لا تتأثر بالأساطير والأوهام كتأثرها بحوادث التاريخ والروايات الثابتة عن الثقات الأثبات، وذلك لأنّ سيرة الرجل العظيم الكامل لا تعرض على الناس ليشغلوا بها أوقات فراغهم ويروّحوا بها عن أنفسهم في حالة الملل أو الضجر، بل تعرض عليهم ليدعوا إلى الاقتداء بها واتخاذها نبراسا لحياتهم يسيرون على ضوئها في ظلمات الحياة لاقتحام العقبات، وكم من عقبة تعترض الإنسان في حياته، فيحتاج إلى من يسير أمامه ليأخذ بيده في اجتيازها، فإن لم تكن الشخصية تاريخية كيف يدعى الناس إلى الاقتداء بها، وهي في الواقع مفترضة، والمناقب التي تذكر عنها من الأساطير والأوهام؟!

نحن معشر المسلمين نؤمن برسالات الله كلّها وبجميع الرسل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015