في الحيوان- مع الإحساس والشعور- إرادة قوية تحمله على الحركة: في القعود، والنهوض، والمشي. وللإنسان إحساس تامّ، وإدراك كامل، وإرادة بالغة، وعزيمة ماضية، وإلى هذه القوى الإنسانية- من شعور تامّ، وإدراك كامل، وإرادة قويّة، وعزيمة صارمة- يرجع تكليف الإنسان، ومن جرّاء ذلك قد حمل أثقال الفرائض، وأعباء الواجبات. وكلّما كان نوع من أنواع المخلوقات أقلّ نصيبا من هذه القوى الموهوبة له من الله، كان أخفّ عبئا في المسؤوليات، وأقلّ واجبات في مناط التكليف. فالجماد ليس عليه واجب قطّ، والنبات قد نال نصيبا من صفات الحياة فأصابه حظّ من الواجبات، أما الحيوان فأكثر حظّا، وأوفر نصيبا من الجماد والنبات في القوى الحيوية، فثقلت عليه أعباؤه من واجبات الحياة وتكاليفها. ولما كان نصيب الإنسان من العقل والمدارك، ومن الذكاء والفطنة، أوفى من سائر المخلوقات وأوفر؛ فقد ازدادت تكاليفه، وواجباته بنسبة ذلك. وتتفاوت الواجبات والتكاليف بين أفراد بني الإنسان بحسب تفاوتهم في مناط هذه الواجبات والتكاليف، أعني العقل والمدارك: فالمجنون، والمعتوه، والأحمق، والصبيّ لا يطالبون بما يطالب به العاقل الفطن، والعالم المثقف، ولا يستطيع أولئك أن يقوموا بما يستطيع أن يقوم به هؤلاء، وكلّ ذلك يرجع إلى تفاوت القوى الباعثة على العلم: بين شعور ناقص، أو إحساس كامل، وخمود الطبيعة، أو توقد القريحة. بل منهم من لا يكلّف بواجب قطّ، ومنهم من يكلّف ببعض الواجبات دون بعضها الآخر، ومنهم من يضطلع بالعبء الأعظم من الواجبات والتكاليف.

ثم إذا تأمّلنا المخلوقات وأمعنا النّظر فيها يبدو لنا أنّه مهما يكن عند مخلوق من شعور ناقص، أو إحساس ضعيف، أو إدراك ضئيل؛ فإنّ القدرة الإلهية قد تتولّى تربيته، وترعى نشأته، وتختصّه بعنايتها، حتى إذا امتازت صفاته، وارتقت مميزاته؛ فوّضت إليه الفطرة من أمر نفسه ما تحتمله قواه، وتستحقّه مواهبه. أليس من مواهب الله لبعض أصناف الحجر أن تتحوّل في جبالها ومعادنها إلى ياقوت وزمرّد، وصار لها هذا البريق الذي تتلألأ به أحجارها، بينما باتت الأحجار الآخرى المجاورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015