الشُبْهَةُ الأُولَى: قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الكِتَابَ قَدْ حَوَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ ... :

أن الله تعالى يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (?) ويقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (?).

وذلك يدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء من أمور الدين، وكل حكم من أحكامه، وأنه قد بينه بيانًا تامًا، وفصله تفصيلاً واضحًا: بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر مثل السُنَّةِ ينص على حكم من أحكام الدين أو يبينه ويفصله، وإلا: لكان الكتاب مفرطا فيه، ولما كان تبيانا لكل شيء، فيلزم الخلف في خبره تعالى. وهو محال.

...

الجواب:

أنه ليس المراد من الكتاب - في الآية الأولى -: القرآن، بل المراد به: اللوح المحفوظ، فإنه الذي حوى كل شيء، واشتمل على جميع أحوال المخلوقات كبيرها وصغيرها، جليلها ودقيقها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، على التفصيل التام، كما قال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وهذا هو المناسب لذكر هذه الجملة عقب قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (?). فإن أظهر الأقوال - في معنى المثلية هنا: أن أحوال الدواب من العمر والرزق والأجل والسعادة والشقاء، موجودة في الكتاب المحفوظ مثل أحوال البشر في ذلك كله.

ولو سلمنا أن المراد به القرآن - كما هو في الآية الثانية: فلا يمكن حمل الآيتين على ظاهرهما: من العموم، وأن القرآن اشتمل على بيان وتفصيل كل شيء، وكل حكم، سواء أكان ذلك من أمور الدين أم من أمور الدنيا، وأنه لم يفرط في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015