- فصل في الجواب عن قول المعترض: (وقد صرح في مبسوط الحنيفة أن أهل اللغة لا يعرفون ذلك)

فكيف إذا ثبت الاستعمال في كلام الصحابة والتابعين؟ ! بل وثبت أنهم جعلوها يمينًا مكفَّرة، وقالوا: هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين، وقد تقدم أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سمَّى التعليق الذي يُقصد به اليمين يمينًا في قوله: "مَنْ حَلَفَ بملةٍ سوى الإسلام كاذبًا فهو كما قال" (?).

فصلٌ

وأما قوله: (وقد صَرَّحَ في مبسوط الحنفية (?) أَنَّ أهل اللغة لا يعرفون ذلك) (?) فقد قدمنا أَنَّ أصحاب أبي حنيفة وطائفة من أصحاب أحمد يقولون: إذا قال: (إِنْ حلفتُ يمينًا بالطلاق فعليَّ كذا)؛ فإنَّ هذا يتناول عندهم كُلَّ تعليقٍ للطلاق، سواء قصد به الحض والمنع، أو كان تعليقًا محضًا أو توقيتًا كقوله: إذا طلعتِ الشمسُ فأنتِ طالق.

ولكنْ أبو حنيفة وبعض أصحاب أحمد استثنوا من ذلك ما له اسم خاص كطلاق السنة والبدعة، فلما جعل هؤلاء كل تعليق يمينًا قالوا: إِنَّ أهل اللغة لا يَعرفون ذلك، وهو كما قالوا، فإنَّ أهل اللغة لا يسمون كل تعليق يمينًا، بل ولا كل تعليق قصد به الحض والمنع، بل إنما يسمون يمينًا ما كان لزوم الجزاء فيه غير مقصود وَإِنْ وُجِدَ الشرط؛ فهذا هو الذي سماه الصحابة والتابعون لهم بإحسان يمينًا، وهو الذي جعلوه يمينًا مكفَّرة، وهو الذي يوجد فيه معنى اليمين المعقول الذي يَعقل جميع الناس أنه يمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015