أقوال السلف في فتنة الدخول على السلطان

قال حذيفة: إياكم ومواقف الفتن.

قيل: وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله؟ قال: أبواب الأمراء؛ يدخلها أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول له ما ليس فيه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، والذي نفسي بيده لا تصيبوا من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينكم مثليه.

وقال وهب ابن منبه: إن جمع المال وغشيان السلطان لا يبقيان من حسنات المرء إلا كما يبقي ذئبان جائعان ضاريان سقطا في حظيرة غنم فباتا يدوسان حتى أصبحا.

وهذا المعنى يشهد له قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه).

لو أن المرء أو العالم حرص بعلمه على جمع المال أو أن يتصدر ويتوجه وأن يكون رئيساً أو زعيماً؛ فإنه يفسد في دين الله عز وجل أكثر مما يفسد السلاطين والأمراء وأصحاب الكبائر وظهور الفتن بالليل والنهار، إن العالم يفعل أعظم من ذلك كله إذا انحرف عن هدي طريق نبينا صلى الله عليه وسلم.

وقال سفيان الثوري: كان خيار الناس وأشرافهم والمنظور إليهم في الدين الذين يقومون إلى هؤلاء الأمراء فيأمرونهم وينهونهم، وكان آخرون يلزمون بيوتهم ليسوا عندهم بشيء.

يعني: كانوا يسكتون لا ينصحون الحكام وكأنهم ليس لهم أي علاقة أبداً، هؤلاء هم الذين لم يكن لهم أي خير، أما الخير فكان في الذين يذهبون إليهم وينهونهم.

قال: وكان لا ينتفع بهم ولا يذكرون -أي: هؤلاء الساكتون-، ثم بقينا حتى صار الذين يأتونهم فيأمرونهم شرار الناس، والذين لزموا بيوتهم ولم يأتوهم فهم خيار الناس.

أي: انعكست الصورة وتغير الزمان.

قال قتادة رحمه الله: العلم كالملح، إذا فسد الشيء صلح بالملح، وإذا فسد الملح لم يصلح بشيء.

نعم، العلماء في الناس وفي الأمة كالملح، إذا فسدت الأمة أصلحها العلماء، فما بالك لو فسد العلماء؟! وقيل للأعمش: يا أبا محمد! لقد أحييت العلم بكثرة من يأخذه عنك، فيرحمك الله.

قال: لا تعجبوا؛ فإن ثلثاً منهم يموتون قبل أن يدركوا، وثلثاً يكرمون السلطان فهم شر من الموتى، ومن الثلث الثالث قليل من يفلح.

وقالوا: شر الأمراء أبعدهم عن العلماء، وشر العلماء أقربهم إلى الأمراء.

وقال محمد بن سحنون: كان لبعض أهل العلم أخ يأتي القاضي والوالي بالليل يسلم عليهما، فكتب له أخوه كتاباً فقال: أما بعد: فإن الذي يراك بالنهار يراك بالليل، وهذا آخر كتاب أكتبه إليك.

قال ابن سحنون: لما قرأ ذلك فأعجبه قال: ما أسمج العالم أن يؤتى إليه في حلقته فلا يوجد، فيسأل الناس: أين العالم؟ فيقولون: عند الأمير أو عند السلطان.

والمعنى: ما أسمج هذا العالم، وما أغباه، وما أحمقه أن يترك هذه المساجد ويذهب ويرتع هنا وهناك جمعاً للدنيا والمال والحطام والكراسي والمناصب والرئاسة وغيرها.

قال سحنون: إذا أتى الرجل مجلس القاضي ثلاثة أيام متوالية بلا حاجة ولا عذر؛ فينبغي ألا تقبل شهادته.

فإني أسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعصمني وإياكم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

اللهم هيأ لنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، اللهم اهد علماء الأمة، وشباب الأمة، ونساء الأمة، اللهم احفظ بنات الأمة، اللهم احفظ شباب الأمة، اللهم اجعلنا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله العظيم، اللهم إنا قد آمنا بك وبرسولك الكريم، وصدقنا كتابك، وآمنا بسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكل ذلك عندنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015