القسم عن مشيئة الله وقدرنه.

فقال الحاكم السني: لقد وضح كل واحد منكما مذهبه توضيحا كاملا، واستدل كل واحد بأدلة لا يمكن المنازعة فيها؛ لكثرتها ووضوحها. ولكن كل واحد منكما لم ينظر المسألة من جميع نواحيها بل لحظ جانبا، وعمي عن الجانب الآخر. وكثير من الأغلاط يأتي من هذا السبب. وسأحكم بينكما بحكم يستند على الكتاب والسنة ويستند إلى العقل والفطرة. وسأقنع كل واحد منكما إن كان قصده طلب الحقيقة.

أما أنت أيها القدري؛ فأصبت بقولك: إن أفعال العباد كلها من كسبهم، وكلها من فعلهم، طاعاتها ومعاصيها وغيرها من أفعالهم.

وأصبت في استدلالك عليها؛ بأن الله نسبها وأضافها إليهم.

وأصبت في تبريك من قول يلزم منه إسقاط الأمر والنهي؛ وهو: الجبر.

ولكنك أخطأت خطأ كبيرا، حيث زعمت أن مشيئة الله وقدرته لا تعلق لها بأفعال العباد.

فنفيت عموم النصوص الدالة على هذا الأصل؛ وظننت أن إثبات عموم الخلق والمشيئة لله ينافي كون الأفعال الصادرة من العباد تكون باختيارهم ومن كسبهم.

وهذا الظن غلط محض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015