المثال الثاني: [استرشاد رجل بعض العلماء إلى أمر يطمئن له في أمر القدر]

رجل جاء لبعض العلماء، فقال له:"أحب أن ترشدني إلى أمر يطمئن له قلبي. وتقنع به نفسي، من جهة القضاء والقدر. فإني لا أشك الله جميع الحوادث بقضاء الله وقدره: وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. وأعلم مع ذلك أن أفعالي كلها باختياري وإرادتي، وأنا الذي عملتها. هذا أمر ضروري، لاشك فيه، وأعتقد أنه لا يشك فيه أحد ولكن: أحب طريقة تهديني إلى كيفية الجمع بين الأمرين".

فقال العالم: الجواب المقنع في هذه المسألة: أنك إذا علمت أن الله خلقك وخلق أعضاءك الظاهرة والباطنة: هذا أمر لا تشك فيه ولا يشك فيه مسلم. ومن أعظم الأعضاء الباطنة: أن الله جعلك مريدا لكل ما تحبه كارها لما تبغضه، إجمالا وتفصيلا، وأن الله أعطاك قدرة، توقع بها جميع ما تريد فعله، وتنكف بها عما تريد تركه، فأنت تعترف بذلك ولا تستريب فيه، وتعرف مع ذلك أنك إذا أردت أمرا من الأمور إرادة جازمة، وأنت تقدر عليه، فعلته من دون توقف.

حتى إن الأمور المستقبلة التي تريد فعلها إرادة جازمة تقول فيها: سأفعل إن شاء الله كذا، كما قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24] .

فإذا اعترفت بذلك كله يعني: اعترفت بأنه تعالى خلقك وخلق قولك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015