وصف الجنة وأهلها في سورة (ق)

ويقول تعالى في سورة (ق): {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق:31] يعني: قربت من أجل ألا يتعبوا، وكذلك غير بعيد في الدنيا، الذي يريد أن يدخل الجنة فإنها قريبة منه؛ لأن لها أبواباً وأماكن، فهذه المنطقة التي نجلس عليها الآن قطعة من الجنة: (إذا رأيتم رياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: مجالس العلم) يقول: إنك جالس في روضة من رياض الجنة، أتريد أن تذهب إلى أين تذهب؟ يقول لك: أريد أن أجلس حتى الصباح، إلى أين أذهب؟ أول ما أخرج من المسجد لا أسمع إلا البلاء والمشاكل؛ فالجنة قريبة بالصبر، إذا أردت أن تقرب من الجنة فاصبر، ونحن في الدنيا في دار ابتلاء، وهنيئاً للذي يبتلى ويصبر، ومن أصعب أنواع الابتلاءات موت الابن العزيز عليك، أو البنت، فلو صبرت أجرت، يقول الله عز وجل: (أقبضتم روح ولد عبدي؟ يقولون: نعم يا رب، أخذتم فلذة كبده؟ يقولون: نعم يا رب، يقول: وماذا صنع عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع، قال: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد، ولا تكتبوا عليه سيئة حتى يموت).

إذاً: هذه هي الجنة، الأولاد الذين ماتوا صغاراً، الذين نزلوا إلى الدنيا ولم يعمل أحدهم إلا صوتاً أو مكث قليلاً ومات، هؤلاء يحدثون ضوضاء على باب الجنة والحساب لم يبدأ بعد، فيقول الله: ما هذا الذي أسمع يا جبريل؟ فيقول: يا رب! هؤلاء أبناء المسلمين الذين ماتوا صغاراً، رفضوا دخول الجنة إلا بصحبة آبائهم وأمهاتهم، فيقول: يا جبريل! من صبر من آبائهم وأمهاتهم فأدخلوهم معهم! الذين غرقوا في البحر كأصحاب الباخرة هؤلاء شهداء عند الله، والمرأة إذا ماتت وهي تضع شهيدة عند الله سبحانه وتعالى، وشخص صدم بحادث سيارة فمات هو شهيد عند الله، وشخص سقط من مكان عال فمات هو شهيد عند الله، لكن المهم أن يكون عبداً لله عز وجل، والحمد لله شهداء أمة محمد كثيرون! فكل هذه أبواب من أبواب الجنة، لكن الذي يراد منك هو الصبر، قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:31 - 32].

ما معنى الأواب؟ الرجاع إلى الله، يعني: أنه يخطئ ويرجع مرة أخرى، ويخطئ ثم يرجع مرة أخرى، مثلما حكينا عن الحسين رضي الله عنه أنه جاء إليه رجل وحاله كحالنا فقال: يا إمام! عندي مرض، قال له: ما مرضك؟ قال له: مرضي أني كلما أريد أن أتوب أرجع إلى الذنوب مرة أخرى! بالله عليك أليس حال هذا الرجل كحالنا؟ قال له: سأدلك على حلول خمسة: قال له: هات الأول، قال: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه، قال له: وهل يعقل أن أعصي في مكان لا يراني فيه؟! بل يرى ويسمع دبيب النملة السوداء، فوق الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، فلا ورقة من شجرة تسقط إلا وهي مكتوبة عنده في كتاب، ولا حبة في ظلمات الأرض، ولا رطب، ولا يابس إلا مكتوب كله عنده! ثم قال: أعطني الدواء الثاني قال له: إن أردت أن تعصي الله فاعصه في ملك غير ملكه، فكيف تعصيه في ملكه؟ هل يعقل أن أدخل بيتكم وأقل أدبي؟! سأكون قليل أدب.

ثم قال له: هات الثالثة، قال له: إن أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله، يعني: كيف تأكل من رزق الله وتعصيه؟ إن الرجل ينفق على ابنه ومجرد أن الولد لا يحترم أباه إذا به يقول له: إنني قد أنفقت عليك كذا وكذا، فقال له الرجل: لا لا، إن هذه أصعب من الأولى.

ثم قال له: إن أردت أن تعصي الله وجاءك ملك الموت فقل له: أخرني حتى أتوب، قال له: هذا لا يعقل.

الخامسة قال له: إن أردت أن تعصي الله ووقفت بين يديه يوم القيامة وقال لك: عبدي لم عصيتني؟ فقل له: أنا لم أعصك يا رب، قال: أكون كذاباً في الدنيا وأكذب على الله يوم القيامة! أشهد الله أني قد تبت إليه توبة نصوحاً.

إذاً عندما تقترف الذنب جرب هذه الخمسة؛ أعصه في مكان لا يراك فيه، وفي ملك غير ملكه، ولا تأكل من رزقه، وعندما يأتيك ملك الموت قل له: انتظر حتى أتوب، وعندما تقف بين يدي الله قل له: أنا لم أذنب، لا يصح هذا كله، إذاً: تب أفضل لك.

قال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:31 - 32].

الحفيظ هو الذي يحافظ على حدود الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه) فلكل ملك حمى، تأتي إلى منطقة معينة تجدها مقفلة ممنوع الدخول فيها؛ لأن هذه المنطقة تبع للوزير الفلاني، وهذه المنطقة تبع لفلان، وهذه تبع الهيئة الفلانية، لا تدخل إن هذا حمى، والدخول في الحمى غلط، كذلك في حمى الله عز وجل.

قوله: (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ) أي: محافظ على كتاب الله، محافظ على سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، محافظ على أوامر الله، يحافظ على أنه لا يدخل فيما حرم الله، من هو هذا؟ قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [ق:33] أي: الذي يحفظ الله ويخشاه بالغيب، قال تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:33] أي: قلبه منيب إلى الله، قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] لابد أن ترجع، ورجعتك تكون لله رب العالمين.

قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:34] الذي يعيش مع الناس بسلام سوف يدخل في دار السلام، والذي يعيش مع الناس في حروب وصراعات ومشاجرات ومحاكم لن يدخل بسلام.

وهذا حبيب النجار صاحب (يس) عندما جاء رسولان من قبل الله عز وجل، فأصحاب جنوب فلسطين كذبوهم، قال الله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:14] أتى برسول ثالث ولكن لا فائدة، أتى حبيب النجار ومكث ينصحهم ويدعوهم: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس:21] فلم يعجبهم كلام حبيب النجار؛ لأن هناك أناساً يضيقون ذرعاً بكلام المصلحين؛ فأضجعوا حبيب النجار ووقفوا على بطنه فخرجت أمعاؤه من دبره، فمات شهيداً.

فأول ما مات أحياه الله حياة برزخية {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26 - 27] فأول ما مات قال الله عز وجل له: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس:26] ومثل عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه، عندما أسلم وأراد أن يرجع إلى قومه قال: يا رسول الله إني أسلمت وسأعود لأدعو قومي إلى هذا الدين القويم، قال له: يا عروة سيؤذونك، قال: لا تخف يا رسول الله! إن قومي لو وجدوني نائماً لما أيقظوني، فلما رجع إليهم دعاهم إلى الله وإلى الإسلام فرفضوا دعوته وأسمعوه من الأذى، فلما كان وقت الفجر قام ليؤذن فرماه رجل بسهم فقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عروة إنما هو كـ حبيب النجار) فهو شبيه بـ حبيب النجار صاحب يس، يسمى بصاحب يس، كمثل صاحب غافر التي هي سورة المؤمن، الذي هو مؤمن آل فرعون، رضي الله عن الجميع، وحشرنا الله وإياكم في زمرة الصالحين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015