وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ وَصِنْفٍ آخَرَ مِنْهُمْ، إذَا كَانَ أَهْلُ الْعَدْلِ هُمْ الظَّاهِرِينَ عَلَى مَنْ يَسْتَعِينُونَ بِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْقَصْدَ كَفُّهُمْ، وَرَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، دُونَ قَتْلِهِمْ، وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى كَفِّهِمْ، اسْتَعَانَ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ، لَمْ يَجُزْ." (?)

قلت: وقد قال - تعالى -: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141]،

وعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ، وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ "قَالَ: لَا، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»،قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ»،قَالَ: ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟ "قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَانْطَلِقْ» (?)

قال أبو محمد بن حزم في "المحلى": وَهَذَا عُمُومٌ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِ فِي وِلَايَةٍ، أَوْ قِتَالٍ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، إلَّا مَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِيهِ: كَخِدْمَةِ الدَّابَّةِ، أَوْ الِاسْتِئْجَارِ، أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْرُجُونَ فِيهِ عَنْ الصَّغَارِ. وَالْمُشْرِكُ: اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:هَذَا عِنْدَنَا - مَا دَامَ فِي أَهْلِ الْعَدْلِ مَنَعَةٌ - فَإِنْ أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَكَةِ وَاضْطُرُّوا وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حِيلَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَلْجَئُوا إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَنْ يَمْتَنِعُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، مَا أَيَقَنُو أَنَّهُمْ فِي اسْتِنْصَارِهِمْ: لَا يُؤْذُونَ مُسْلِمًا وَلَا ذِمِّيًّا - فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ حُرْمَةٍ مِمَّا لَا يَحِلُّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015