تعلُّم الخطابة

قد يَدْرُسُ علومَ الأدب بما فيها علمي العَروض والقوافي مَنْ لا يدري كيف يصنعُ شِعْرًا مستقيمَ الوَزْن سليمَ القافية، وقد يَدرُسُ علومَ الأدب بما فيها من علوم البلاغة مَنْ لا يستطيعُ أن يكتبَ خِطَابًا يُسِيغُه الذَّوْقُ الصحيح، كذلك الرجلُ قد يدرسُ قوانين الخطابة ويضيفُ إليها التَّضَلُّعَ من علوم اللغة وآدابها، ثم لا يكون له بعد هذا في الخطابة العَمَليَّةِ جزءٌ مقسوم.

الخطابةُ لا يُحكِم صُنعَها إلا من يأخذ بها خاطِرَه يومًا فيومًا، ويُروِّضُ عليها لسانَه في هذا المَجْمَعِ مَرَّةً، وفي ذلك المَجْمَعِ مَرَّةً أخرى.

نقرأ في كتب الأدب ما يدلُّنا على أن العرب كانوا يأخذون أنفسهم بالتدرُّب على الخطابة حتى تلين لهم قناتُها، نجدهم حين يتحدثون عن عمرو بن سعيد بن العاص يقولون: إنه كان لا يتكلَّم إلا اعترَتْهُ حُبْسَةٌ في مَنْطِقِه، فلم يزل يَتَشَادَقُ ويعالِجُ إخراج الكلام حتى مَالَ شِدْقُه، ومن أجل هذا دعي بالأشدق وإياه يعني الشاعر الذي يقول:

تَشَدَّقَ حتى مَالَ بالقولِ شِدْقُهُ وكُلُّ خطيبٍ لا أبا لك أَشْدَقُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015