الحيل (صفحة 19)

الفصل الرابع

الفصل الرابع: في كيفية معرفة مقاصد الشارع

سبق وأن قدمنا أن الحيل الجائزة هي التي لا تناقض مقاصد الشارع والحيل المحظورة هي التي تناقض مقاصد الشارع، وحينئذ لابد من إعطاء الفهم الصحيح والبيان الكافي لبيان الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة هذه المقاصد حتى نستطيع أن نعطي كل حيلة ما يناسبها من الحكم.

وإليك ملخص ما قاله الشاطبى في كتابه الموافقات في هذا الصدد قال: " الراسخون من أهل العلم على أن مقاصد الشارع تعرف من ألفاظ النصوص ومعانيها النظرية جميعاً فينبغي أن ينظر إلى الألفاظ على وجه لا يخل بالمعنى وإلى المعاني على وجه لا يخل بالألفاظ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض ".

ومن زعم أن مقاصد الشارع لا تؤخذ إلا من ألفاظ النصوص وظواهرها كالظاهرية أو لا تؤخذ إلا من المعاني النظرية. وإن عادت على الظواهر والنصوص بالتعطيل والإلغاء كما هو رأي المتعمقين في القياس المقدمين له على النصوص، من زعم هذا أو ذاك فقد غلا في جانب الإفراط والتفريط ونظر إلى جانب من الشريعة دون جانب، وذلك بُعْدٌ عن الصراط المستقيم.

فالصواب الذي عليه أكثر العلماء اعتبار الأمرين جميعاً على وجه لا يخل فيه المعنى النظري بالنص، ولا النص بالمعنى النظري وعلى هذا المذهب وحده الاعتماد في تقرير الجهات التي يعرف بها مقاصد الشارع فنقول وبالله التوفيق.

إن مقاصد الشارع تعرف من جهات:

أحدها: الأمر والنهي الواردان عن الشارع فالأمر يقتضي حصول المأمور به من المكلف، فوقوعه عند وجود الأمر به مقصود للشارع، وعدم إيقاعه مخالف لمقصوده وكذلك النهي يقتضي الكف عن الفعل المنهي عنه. فعدم وقوع الفعل المنهي عنه مقصود للشارع وإيقاعه مخالف لمقصوده.

فهذا وجه ظاهر عام لمن اعتبر مجرد الأمر والنهي من غير نظر إلى علة ولمن اعتبر العلل والمصالح.

الجهة الثانية: اعتبار علل الأمر والنهي ولماذا أمر الشارع بهذا الفعل، ولماذا نهى عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015