الحيل (صفحة 15)

والسفر الواجب حيلة على المقصود منه، والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على حصول المقصود عليه، والأسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها وليس كلامنا في الحيلة بهذا الاعتبار العام الذي هو مورد التقسيم إلى مباح ومحظور، فالحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب وترك المحرم وتخليص الحق ونصر المظلوم وقهر الظالم وعقوبة المعتدي، وتحته التوصل إلى استحلال المحرم وإبطال الحقوق، وإسقاط الواجبات وَلمَّا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل " غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء على النوع المذموم، وكما يذم الناس أرباب الحيل فإنهم يذمون أيضا العاجز الذي لا حيلة له لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه، فالأول ماكر مخادع، والثاني عاجز مفرط، والممدوح غيرهما وهو من له خبرة بطرق الخير والشر خفيها وظاهرها فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبها الله ورسوله بأنواع الحيل ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يتوصل بها إلى خداعه والمكر به فيحترز منها ولا يفعلها ولا يدل عليها، وهذه كانت حال سادات الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا أَبرَّ الناس قلوباً، وأعلم الناس بطرق الشر ووجوه الخداع، وأتقى لله من أن يرتكبوا منها شيئاً، أو يدخلوه في الدين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لست بخب ولا يخدعني الخبُّ "، وكان حذيفة أعلم الناس بالشر والفتن، وكان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكان هو يسأله عن الشر، والقلب السليم ليس هو الجاهل بالشر الذي لا يعرفه بل الذي يعرفه ولا يريده بل يريد الخير والبر "1.

ألفاظ بمعنى الحيلة:

هناك ألفاظ بمعنى الحيلة تستعمل لغة وعرفاً ومنها المكر والخديعة والكيد، فهي ألفاظ متقاربة أو مترادفة تطلق في أصل اللغة على كل فعل يقصد منه فاعله خلاف ما يقتضيه الظاهر وعلى كل فعل يوصل إلى المقصود وليس له ظاهر وباطن ولكن الذهن لا يلتفت عادة إلى أنه يوصل.

ومثال ذلك ما رواه الإمام الشافعي في مسنده عن عروة بن الزبير قال: "ابتاع عبد الله بن جعفر بيعاً فقال علي رضي الله عنه: لآتين عثمان فلأحجرن عليك فأعلم ذلك عبد الله بن جعفر الزبير فقال: أنا شريكك في بيعتك فأتى علي عثمان وقال: تعال احجر علي هذا؛ فقال الزبير: أنا شريكه فقال عثمان: أحجر على رجل شريكه الزبير"2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015