فالفقيه يَوْمئِذٍ هُوَ الثرثار المتشدق الَّذِي حفظ أَقْوَال الْفُقَهَاء قويها وضعيفها من غير تَمْيِيز وسددها بشقشقة شدقية والمحدث من عد الْأَحَادِيث صحيحها وسقيمها بِقُوَّة لحييْهِ وَلَا أَقُول ذَلِك مطردا كليا فَإِن لله طَائِفَة من عباده لَا يضرهم من خذلهم وهم حجَّة الله فِي أرضه وَإِن قلوا وَلم يَأْتِ قرن بعد ذَلِك إِلَّا وَهُوَ أَكثر فتْنَة وأوفر تقليدا وَأَشد انتزاعا للأمانة من صُدُور النَّاس حَتَّى اطمأنوا بترك الْخَوْض فِي الدّين وَبِأَن يَقُولُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم لمقتدون وَإِلَى الله المشتكى انْتهى

وَمن جملَة أَسبَاب قلَّة علم الحَدِيث كَثْرَة الْعُلُوم الفلسفية اليونانية وانهماك النَّاس فِيهَا كَمَا أبان عَنْهَا أَبُو مُحَمَّد الدمياطي حِين كثر ذَلِك فِي عصره بِمصْر وَغَيرهَا من الْأَمْصَار وأصر النَّاس عَلَيْهَا أَشد الْإِصْرَار وَمن الْأَمر الْمُنكر عَلَيْهِم والنكر الْمَعْرُوف لديهم تدرسهم لعلم الفضول وتشاغلهم بالمعقول عَن الْمَنْقُول فِي إكبابهم على علم الْمنطق واعتقادهم أَن من لَا يُحسنهُ لَا يحسن أَن ينْطق فليت شعري هَل قَرَأَهُ الشَّافِعِي وَمَالك أَو هُوَ إضاء لأبي حنيفَة المسالك وَهل يُعلمهُ أَحْمد بن حَنْبَل أَو كَانَ الثَّوْريّ على تعلمه قد أقبل وَهل اسْتَعَانَ بِهِ إِيَاس فِي ذكائه أَو بلغ بِهِ عَمْرو مَا بلغ من دهائه أَو تمرس بِهِ قس وسحبان ولولاه لما أفْصح بِهِ أَحدهمَا وَلَا أبان أَتَرَى عقول الْقَوْم كليلة إِذْ لم تشحذ على مُسِنَّة أَتَرَى فطنتهم عليلة إِذا لم تكرم فِي أجنة كلا هِيَ أشرف من أَن تقيد فِي سجنه وأشف من أَن يستحوذ عَلَيْهَا طَارق جنَّة بِاللَّه لقد غرق الْقَوْم فِيمَا لَا يعنيهم وأظهروا بالإفتقار إِلَى مَا لَا يغنيهم بل يتعبهم إِلَى السامات والشيطان يعدهم ويمنيهم أما أَنه قد كَانَ أحاد من أهل الْعلم ينظرُونَ فِيهِ غير مجاهرين ويطالعونه لَا متظاهرين لِأَن أقل افاته أَن يكون شغلا بِمَا لَا يُغني الْإِنْسَان وَإِظْهَار تحوج إِلَى مَا أغْنى عَنهُ الرب المنان وَأما هَؤُلَاءِ فقد جَعَلُوهُ من أكبر الْمُهِمَّات واتخذوه عدَّة للثوابت وَالْمُسلمَات فهم يكثرون فِيهِ الأوضاع وَينْفق كل وَاحِد مِنْهُم فِي تَحْصِيله الْعُمر المضاع ويحهم أما سمعُوا قَول دَاعِي الهذي لمن أمه حِين رأى عمر قد كتب التَّوْرَاة فِي لوح وضمه فَغَضب وَقَالَ مفهما لِلْحَافِظِ الواعي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015