في القول، فقال له المأمون: يا هذا إن الله أرسل من هو خير منك لمن هو شر مني، فقال لموسى وهارون -عليهما السلام-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: 43، 44)، ثم أعرض عنه ولم يلتفت إليه.

ولأن الرجل قد ينال بالرفق ما لا ينال فيما يأمر به من غير الرفق، يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الفرق بين المحتسب الرفيق والعنيف: "يُذكر أن رجلًا من أهل الحسبة -يعني: من الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر- في زمان مضى قديمًا مر على شخص يسقي إبله عند أذان المغرب، وعادة الناس أن يحدوا بالإبل -يعني: ينشد لها شعرًا من أجل أن تخف وتسرع؛ لأنه -سبحان الله- الإبل تطرب لناشدي الشعر- فجاء هذا الرجل ومعه غيره وتكلم على هذا بكلام قبيح على العامل الذي يسقي الماء، والعامل متعب من الشغل، وضاقت عليه نفسه، فضرب الرجل بالمسوقة -يقول الشيخ: وهي عصى طويلة متينة- فشرد الرجل وذهب إلى المسجد، والتقى بالشيخ عالم من العلماء من أحفاد الشيخ محمد بن الوهاب -رحمه الله- وقال: إني فعلت كذا وكذا، وإن الرجل ضربني بالمسوقة، فلما كان من اليوم الثاني ذهب الشيخ بنفسه إلى المكان قبل غروب الشمس وتوضأ، ووضع عباءته على خشبة حوله، ثم أذن المغرب فوقف كأنه يريد أن يأخذ عباءته، فقال له: يا فلان يا أخي جزاك الله خيرًا، أنت تتطلب الخير في العمل هذا، وأنت على خير، لكن الآن أذن للصلاة، لو أنك تذهب وتصلي المغرب وترجع ما فاتك شيء، سبحان الله الكلام هين لين، فقال العامل للشيخ: جزاك الله خيرًا مر عليَّ رجل أمس جلف، وقام ينتهرني، وقال لي: أنت فيك ما فيك، وما ملكت نفسي حتى ضربته بالمسوقة، قال: الأمر لا يحتاج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015