اللَّهُ، فَإِنَّ مُوَاقَعَةَ الْفِعْلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الدَّاعِي وَزَوَالِ الْمَانِعِ، وَكَانَ الدَّاعِي هَاهُنَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي طَبْعِ الرَّجُلِ مِنْ مَيْلِهِ إِلَى الْمَرْأَةِ، كَمَا يَمِيلُ الْعَطْشَانُ إِلَى الْمَاءِ، وَالْجَائِعُ إِلَى الطَّعَامِ، حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَصْبِرُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا يَصْبِرُ عَنِ النِّسَاءِ، وَهَذَا لَا يُذَمُّ إِذَا صَادَفَ حَلَالًا، بَلْ يُحْمَدُ كَمَا فِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَطِيَّةَ الصِّفَارِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، أَصْبِرُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَا أَصْبِرُ عَنْهُنَّ» .

الثَّانِي: أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ شَابًّا، وَشَهْوَةُ الشَّبَابِ وَحِدَّتُهُ أَقْوَى.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ عَزَبَا، لَيْسَ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَا سُرِّيَّةٌ تَكْسِرُ شِدَّةَ الشَّهْوَةِ.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ كَانَ فِي بِلَادِ غُرْبَةٍ، يَتَأَتَّى لِلْغَرِيبِ فِيهَا مِنْ قَضَاءِ الْوَطَرِ مَا لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَمَعَارِفِهِ.

الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجِمَالٍ، بِحَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَدْعُو إِلَى مُوَاقَعَتِهَا.

السَّادِسُ: أَنَّهَا غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ وَلَا آبِيَةٍ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُزِيلُ رَغْبَتَهُ فِي الْمَرْأَةِ إِبَاؤُهَا وَامْتِنَاعُهَا، لِمَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذُلِّ الْخُضُوعِ وَالسُّؤَالِ لَهَا، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَزِيدُهُ الْإِبَاءُ وَالِامْتِنَاعُ إِرَادَةً وَحُبًّا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَزَادَنِي كَلَفًا فِي الْحُبِّ أَنْ مَنَعَتْ ... أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الْإِنْسَانِ مَا مَنَعَا

فَطِبَاعُ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَاعَفُ حُبُّهُ عِنْدَ بَذْلِ الْمَرْأَةِ وَرَغْبَتِهَا، وَيَضْمَحِلُّ عِنْدَ إِبَائِهَا وَامْتِنَاعِهَا، وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ الْقُضَاةِ أَنَّ إِرَادَتَهُ وَشَهْوَتَهُ تَضْمَحِلُّ عِنْدَ امْتِنَاعِ امْرَأَتِهِ أَوْ سُرِّيَّتِهِ وَإِبَائِهَا، بِحَيْثُ لَا يُعَاوِدُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَضَاعَفُ حُبُّهُ وَإِرَادَتُهُ بِالْمَنْعِ فَيَشْتَدُّ شَوْقُهُ كُلَّمَا مُنِعَ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ اللَّذَّةِ بِالظَّفَرِ بِالضِّدِّ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ وَنِفَارِهِ، وَاللَّذَّةُ بِإِدْرَاكِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ اسْتِصْعَابِهَا، وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى إِدْرَاكِهَا.

السَّابِعُ: أَنَّهَا طَلَبَتْ وَأَرَادَتْ وَبَذَلَتِ الْجُهْدَ، فَكَفَتْهُ مُؤْنَةَ الطَّلَبِ وَذُلَّ الرَّغْبَةِ إِلَيْهَا، بَلْ كَانَتْ هِيَ الرَّاغِبَةَ الذَّلِيلَةَ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْمَرْغُوبُ إِلَيْهِ.

الثَّامِنُ: أَنَّهُ فِي دَارِهَا، وَتَحْتَ سُلْطَانِهَا وَقَهْرِهَا، بِحَيْثُ يَخْشَى إِنْ لَمْ يُطَاوِعْهَا مِنْ أَذَاهَا لَهُ، فَاجْتَمَعَ دَاعِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015