وفقراء، وعلماء وصعاليك، ولا شيء من المبالغة في هذا مطلقا، ومن شك فليسافر إلى الجزائر، إذا أذنت له فرنسا، ليلقى هذه الأمة الثائرة، وجها لوجه، وليرى كيف صبرت طويلا، وكيف نفذ صبرها، ثم ليحس عن كثب ما يضطرم في نفوس أبنائها، من حقد عريق على المستعمرين، ذلك الحقد الذي خلقه الاستعمار الفرنسي نفسه، على الرغم من الجزائريين الأطهار، وتعهدوه بالظلم والتربية، منذ كان جرثومة حتى أصبح اليوم عملاقا يدفع دفعا بتلك النسمات الإنسانية البريئة، إلى أحد أمرين، إما إلى سيادة كاملة، أو إلى فناء كريم، أما إذا كنت تقصد بالسؤال، أولئك الأبطال الذين حملوا السلاح فعلا، وانحازوا إلى الجبال، ليزاحموت الأسود في وظيفتها، فاعلم أن أقرب تعريف لهم، هو ما وصف القرآن به فتية أهل الكهف، إذ يقول: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزذناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا} الكهف: 13 - 14، نعم، لقد حاول الاستعمار الفرنسي في الجزائر، أن يجعل من نفسه ربا يعبده العرب المسلمون، وبذل في سبيل ذلك جهود جبارة، ولكنه لم يفلح طبعا، لأنه كان يحاول مستحيلا.

وكان يسمع دائما هذه الصيحة المفزعة، من أفواه الجزائريين حالا ومقالا: {ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها} ولكنه تصامم وكأن في آذانه وقرا، حتى أرغم اليوم إرغاما، على سماعها من أفواه البنادق والمدافع، وبأبلغ لسان، أما عدد المقاتلين من الثوار الذين يمارسون القتال فعلا، فهم بضعة آلاف، ينتشرون في جميع أنحاء القطر الجزائري، على مساحة تقدر بنصف مليون كيلومتر مربع أو نحو ذلك، وهم يشغلون الآن جيشا فرنسيا جرارا، قوامه 250 ألفا من الجنود المدربين المسلحين، على أحدث طراز، وقد مضى على هذا الصراع النموذجى الخطير حتى الآن، سنة وبضعة أشهر، لقي الفرنسيون أثناءها الأمرين، وقد ثبت رسميا أن الدولة الفرنسية تنفق على جيشها في الجزائر نحو 80 مليارا من الفرنكات في كل شهر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015