وأمَّا مناظرتُهُ للخصوم وإفحامُهم وقطعُهُم لديه فهو ظاهرٌ، وكتبه التى صنَّفَها فهى أشهر من أَن تذكر وتعرف فإنها سارت مسيرَ الشَّمس في الأقطار وامتلأت بها البلاد والأمصار، وقد جاوزت حد الكثرة فلا يمكن أحدًا حَصْرُها، ولا يتسع هذا المكان لعدها. وله اختيارات غريبة جمعها بعضهم في مجلَّدٍ لطيف. ووقع له أمور وأحوال قام عليه فيها المعاندُ والحاسدُ إِلى أَن وصلَ الحال به أَن وُضِعَ فى قلعة دمشق فى مقام أبى الدَّرْدَاء رضي الله عَنه ستٍّ وعشرين فى شَعبان إِلى ذى القَعْدة سنة ثمان ٍ وعشرين، ثمَّ مرض أيَّامًا ولم يَعْلَم أكثُر النَّاس مَرضه. وتوفى سحر ليلة الاثنين العشرين من ذي القَعْدة سنة ثمانٍ وعشرين وسَبْعِمائة. وذكره مؤذن القَلْعَة على منارة الجامع، وتكلّم به الحَرَسُ واجتّمَع النَّاسُ، ولم تفتح الأسواق المعتادة بالفتح أول النهار، واجتمع عنده خلق يبكون ويثنون خيرًا، وأخبرهم أخوه زين الدّين عبد الرًّحمن أنهما ختما فى القَلْعة ثمانين ختمةً، والحادية والثَّمانين انتهيا فيها إِلى قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}.

وابتدأ عنده جماعة في القراءة من سورة الرَّحمن إِلى ختمه. ولم يُفرغ من غَسله حتَّى امتلأ أكثر القلعة بالرجال فصَلَّى عليه بدَركاتِها الشَّيخُ الزَّاهدُ محمَّد بن تَمَّامٍ، وضجَّ الناسُ، ثمَّ خرجوا به إِلي جامع دمشق، وكثر الجَمْع حتَّى يقال: إِنَّه فاق جميع الجُمَع، ثمَّ وضع عند موضع الجنائز حتَّى صلِّيَتِ الظهرُ، ثمَّ صلى عليه نائب الخطيب علاء الدين الخَراَّط لغيبة القَزْوِيْنى، ثمَّ خرجوا به من باب الفرج، وكثر الزِّحام وخرج الناس من غالي أبواب البلد، ثمَّ صلَّى عليه أخوه زين الدين عبد الرَّحمن بسوق الخَيْل، ودفن وقت صلاة العصر بالصُّوفية إِلى جانب أخيه شرف الدين. وحُزِرَ الرِّجال بستين ألفًا وأكثر، والنِّساء بخمسةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015