ثم إن أُمَّه تعرضت للملك الناصر وشكت إليه، فأمر بإطلاقه، إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرتُه يوم الجمعة وهو يَعِظ الناسَ على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا (?)، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ماتكلم به، فقامت العامةُ إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال، ضربًا كثيرًا حتى سقطت عمامتُه، وظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسَها، واحتملوه إلى دار عز الدين بن مُسَلَّم قاضي الحنابلة، فأمر بسجنه وعزره بعد ذلك، فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ماكان من تعزيره، ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تِنْكيز - وكان من خيار الأمراء وصلحائهم - فكتب إلى الملك الناصر بذلك وكتب عقدًا شرعيًا على ابن تيمية بأمور منكرة منها: أن المطلّق بالثلاث في كلمة واحدة لاتلزمه إلا طلقة واحدة، ومنها: أن المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف زاده الله طيبًا لايقصر الصلاة، وسوى ذلك مما يشبهه، وبعث العقد إلى الملك الناصر؛ فأمر بسجن ابن تيمية بالقلعة، فسُجِنَ بها حتى مات في السجن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015