فنقول لهؤلاء إن هذه الأحاديث تُحمَل على التشديد على حضور صلاة الجماعة، وأنها وردت مورد الزَّجر، وأنَّ حقيقتُه غيرُ مرادة، وقد جاء التشديد بصيغٍ مختلفة. ثم إنَّ الحديث الأول جاء في المنافقين ولم يأت عامَّاً في المسلمين، فقوله في أول الحديث «ليس صلاةٌ أثقلَ على المنافقين» واضح الدلالة على ما نقول. ويزيد الأمرَ وضوحاً ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «لقد رأيتُنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه أو مريض، إن كان المريض لَيمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة ... » رواه مسلم وأبو داود والنَّسائي وابن ماجة وأحمد من حديث طويل. وما رواه أبو عمير ابن أنس قال «حدثني عمومتي من الأنصار قالوا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يشهدهما منافق، يعني العشاء والفجر» رواه ابن أبي شيبة. فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يهدد المنافقين الذين لم يكونوا يشهدون الصلاة معه بقوله ذاك.

وأما الحديث الثاني فهو كالحديث الثالث، موضوعهما واحد، فما ينطبق على أحدهما ينطبق على الآخر. هذا الحديث يذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص للأعمى أولاً بعدم حضور صلاة الجماعة، ثم عدل عن ذلك وأوقف الترخيص له، فلو كانت صلاة الجماعة واجبة لما رخَّص عليه الصلاة والسلام للأعمى بصلاة المنفرد وتَرْكِ صلاة الجماعة. أما لماذا عدل بعد ذلك عن الترخيص له، فإنه يُحمل على أنه آثر صاحبَه الأعمى هذا بفضيلة حضور صلاة الجماعة فشدد عليه في حضورها، وذلك لأن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتسابقون إلى الثواب والمندوبات، فلو رُخِّص لهذا الأعمى بترك صلاة الجماعة فلربما فُهم من ذلك أن صلاة الجماعة كصلاة المنفرد ولا ميزة لها، لهذا أمر عليه الصلاة والسلام هذا الصحابي بالتمسك بحضور صلاة الجماعة وشدَّد عليه في ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015