القسم الرابع: عكسه، وإلى هذه أشار بقوله: (وَإِلا فَثَالِثُهَا) يعني أن في هذه الأقسام الثلاثة، ثلاثة أقوال: القضاء، وهو المشهور، قياساً على محل الوفاق، والثاني السقوط، والثالث: إن قلت السنون وجب، وإن كثرت لم يجب.

وتبع المصنف في هذا المحل ابن بشير على أن ابن بشير لم يحك الخلاف إلا فيما إذا بلغ مطيقاً أو كثرت السنون لا فيما إذا بلغ مجنوناً [151/ أ] وكثرت، لكن يؤخذ مما حكاه اللخمي وغيره الخلاف فيه؛ لأنه حكى في القضاء ثلاثة أقوال: قول مالك وابن القاسم في المدونة عليه القضاء، بلغ صحيحاً أو مجنوناً، قلَّت السنون أو كثرت، وقيل: إن قلت كالخمسة ونحوها فالقضاء، وإن كثرت كالعشرة فلا قضاء؛ ذكره ابن حبيب عن مالك والمدنيين.

الثالث حكاه ابن الجلاب عن عبد الملك فيما يظنه إن بلغ مجنوناً فلا قضاء عليه، وإن بلغ عاقلاً ثم جُنَّ وجب عليه القضاء، وأسقط أبو حنيفة والشافعي- رضي الله عنهما- القضاء عن المجنون وهو الظاهر. واحتجاج أهل المذهب بقوله- تعالى-: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 183] والمجنون مريض ليس بظاهر.

ابن عطاء الله: لأن قوله تعالى في أول الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 183] إنما توجه للعقلاء، ثم قال: والوجه عندي أن يقال: فهم من عادة الشرع أن من وجد في حقه سبب الوجوب وتأخر شرطه، أنه إذا وجد الشرط بعد ذلك وجب عليه القضاء، أصله الحائض.

وَلا أَثَرَ لِلنَّوْمِ اتِّفَاقاً

أي: في القضاء، ولو كان جميع النهار؛ لأنه ساتر للعقل غير مزيل له.

وَأَمَّا الإِغْمَاءُ فَإِنْ كَانَ كُلَّ النَّهَارِ فَكَالْجُنُونِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ بِمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَقَلَّهِ وَأَوَّلِهِ سَالِمُ فَكَالنَّوْمِ، وَإِلا فَقَوْلانِ، وَفِي النِّصْفِ وَالْجُلِّ: قَوْلانِ.

يعني: أن الإغماء له صور: تارة يكون في جميع النهار، وتارة في أقله، وتارة في نصفه أو جله. فإن كان في جميع النهار فلا يصح صومه، وهو في هذه الصورة أشبه شيء بالمجنون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015