الشَّرْحُ

- قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الخَيْرِ وَإِنْ مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوْسٌ قَنُوْطٌ، وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُوْلَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيْظٍ} (فُصِّلَتْ:50).

- وقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوْسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوْءُ بِالعُصْبَةِ أُوْلِي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الفَرِحِيْنَ، وَابْتَغِ فِيْمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيْبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِيْنَ، قَالَ إِنَّمَا أُوْتِيْتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُوْنِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوْبِهِمُ المُجْرِمُوْنَ} (القَصَص:78).

- وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُوْنَ} (النَّحْل:53).

- وَفِي الآيَةِ الكَرِيْمَةِ {فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوْتِيْتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُوْنَ، قَدْ قَالَهَا الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُوْنَ} (الزُّمَرْ:50).

قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي التَّفْسِيْرِ (?): (يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالَةِ الإِنْسَانِ وَطَبِيْعَتِهِ؛ أَنَّهُ حِيْنَ يَمَسُّهُ ضُرٌّ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شِدَّةٍ أَوْ كَرْبٍ {دَعَانَا} مُلِحًّا فِي تَفْريْجِ مَا نَزَلَ بِهِ {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا} فَكَشَفْنَا ضَرَّهُ وَأَزَلْنَا مَشَقَّتَهُ؛ عَادَ بِرَبِّهِ كَافِرًا، وَلِمَعْرُوْفِهِ مُنْكِرًا، وَ {قَالَ إِنَّمَا أُوْتِيْتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أَيْ: عِلْمٍ مِنَ اللهِ أَنِّي لَهُ أَهْلٌ، وَأَنِّي مُسْتَحِقٌّ لَهُ، لِأَنِّي كَرِيْمٌ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى عِلْمٍ مِنِّي بِطُرُقِ تَحْصِيْلِهِ، {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} يَبْتَلِي اللهُ بِهَا عِبَادَهُ؛ لِيَنْظُرَ مَنْ يَشْكُرُهُ مِمَّنْ يَكْفُرُهُ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُوْنَ} فَلِذَلِكَ يَعُدُّوْنَ الفِتْنَةَ مِنْحَةً، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِم الخَيْرُ المَحْضُ؛ بِمَا قَدْ يَكُوْنُ سَبَبًا لِلخَيْرِ أَوْ لِلشَّرِّ، {قَدْ قَالَهَا الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ: قَوْلَهُم {إِنَّمَا أُوْتِيْتُهُ عَلَى عِلْمٍ} فَمَا زَالتْ مُتَوَارَثَةً عِنْدَ المُكَذِّبِيْنَ، لَا يُقِرُّونَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِم، وَلَا يَرَوْنَ لَهُ حَقًّا، فَلَم يَزَلْ دَأْبُهُم حَتَّى أُهْلِكُوا، وَلَم يُغْنِ {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُوْنَ} حِيْنَ جَاءَهُم العَذَابُ).

- هَذَا البَابُ كَالأَبْوَابِ الَّتِيْ قَبْلَهُ فِي بَيَانِ وُجُوْبِ تَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى فِي الأَلْفَاظِ وَأَنَّ النِّعَمَ يَجِبُ أَنْ تُنْسَبَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُشْكَرَ عَلَيهَا فَتُعْزَى إِلَيهِ، وَيَقُوْلُ العَبْدُ: هَذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ بِهِ، وَالكَذِبُ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ أَو أَنْ يَتَكَلَّمَ المَرْءُ بِكَلَامٍ لَيسَ مُوَافِقًا للحَقِيْقَةِ أَو هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَد أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ فَهَذَا يُؤَدِّيْهِ إَلى المَهَالِكِ، وَقَد يَسْلُبُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ النِّعْمَةَ بِسَبَبِ لَفْظِهِ.

- دَخَلَ فِي هَذَا البَابِ نَوعَانِ مِنَ النَّاسِ:

1) مَنْ يَنْسِبُ النِّعْمَةَ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَنْسِبُهَا إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا أَصْلًا، فَهَذَا مُسِيْءٌ مِنْ جَانِبِ الرُّبُوْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ غَافِلٌ عَنِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي قَولِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (يُرِيْدُ مِنْ عِنْدِي)، وَكَمَا فِي قَوْل قَتَادَةَ: (عَلَى عِلْمٍ مِنِّي بِوُجُوْهِ المَكَاسِبِ).

2) مَنْ يَنْسِبُ النِّعْمَةَ إِلَى نَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ الاسْتِحْقَاقِ, وَأَنَّهُ يَرَى نَفْسَهُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ الشَّيءَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَذَا مُسِيْءٌ مِنْ جَانِبِ العُبُوْدِيَّةِ، كَمَا فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ: (هَذَا بِعَمَلِي، وَأَنَا مَحْقُوْقٌ بِهِ)، وقَولِهِ أَيْضًا (أُوْتِيْتُهُ عَلَى شَرَفٍ)، فَجَعَلَ تِلْكَ النِّعْمَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى اسْتِحْقَاقًا وَلَيسَ تَفَضُّلًا مِنْهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى.

- قَوْلُهُ (أَبْرَصَ): البَرَصُ مَرَضٌ جِلْدِيٌّ مِنَ الأَمْرَاضِ المُسْتَعْصِيَةِ عَلَى البَشَر، لِذَلِكَ كَانَ الشِّفَاءُ مِنْهُ آيَةً عَلَى صِدْقِ المَسِيْحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَسُوْلًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّيْنِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيْهِ فَيَكُوْنُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي المَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُوْنَ وَمَا تَدَّخِرُوْنَ فِي بُيُوْتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ} (آل عِمْرَان:49).

- قَوْلُهُ (يَبْتَليَهُم): أَيْ: يَخْتَبِرَهُم; كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَنَبْلُوْكُمْ بِالشَّرِّ وَالخَيْرِ فِتْنَةً} (الأَنْبِيَاء:35)، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النَّمْل:40).

- قَوْلُهُ (قَذَرَنِيَ): أَي اسْتَقْذَرَنِي وَكَرِهَ النَّاسُ مُخَالَطَتي مِنْ أَجْلِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015