- ذَكَرُوا فِي التَّفَاسِيْرِ: أَنَّهُم كَانُوا ثَلَاثَةَ أَشْخَاصٍ، اثْنَانِ مِنْهُم يَسْتَهْزِؤنَ وَالثَّالِثُ كَانَ يَضْحَكُ وَلَا يَخُوْضُ، وَكَانَ يَمْشِي مُجَانِبًا لَهُم وَيُنْكِرُ بَعضَ مَا يَسْمَعُ - وَهوَ الَّذِيْ عُفيَ عَنْهُ - فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذهِ الآيةُ تَابَ مِنْ نِفَاقِهِ.

فَهَذَا الَّذِيْ حَضَرَ هُوَ مِثْلُ الَّذِيْ اسْتَهْزَأَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوْضُوا فِي حَدِيْثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِيْنَ وَالكَافِرِيْنَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيْعًا} (النِّسَاء:140).

- إِنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِيْ ذَكَرَهَا المُنَافِقُونَ؛ هُمْ أَوْلَى بِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمُؤْمِنِيْنَ؛ وَهِيَ (الكَذِبُ وَالجُبْنُ وَالشَّرَاهَةُ فِي الأَكْلِ).

- قَوْلُ المُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ فِي المَسَائِلِ (الفَرْقُ بَينَ النَّمِيْمَةِ وَالنَّصِيْحَةِ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ): النَّمِيْمَةُ: هِيَ نَقْلُ الكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الوِشَايَةِ وَالإِفْسَادِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ ((أَتَدْرُوْنَ مَا العَضْهُ؟) قَالُوا: اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (نَقْلُ الحَدِيْثِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ إِلَى بَعْضٍ؛ لِيُفْسِدُوا بَيْنَهُمْ)) (?)، وَأَمَّا النَّصِيْحَةُ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ; فَلَا يُقْصَدُ بِهَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا احْتِرَامُ شَعَائِرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِقَامَةُ حُدُوْدِهِ، وَحِفْظُ شَريْعَتِهِ.

- قَوْلُ المُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ فِي المَسَائِلِ (الفَرَقُ بَيْنَ العَفْوِ الَّذِيْ يُحِبُّهُ اللهُ وَبَيْنَ الغِلْظَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ): الفَرْقُ هوَ أَنَّ العَفْوَ الَّذِيْ يُحِبُّهُ اللهُ هُوَ الَّذِيْ فِيْهِ إِصْلَاحٌ، لِأَنَّ اللهَ اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي العَفْوِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِيْنَ} (الشُّوْرَى:40) أَيْ: كَانَ عَفْوُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى الإِصْلَاحِ، أَمَّا مَنْ كَانَ عَفْوُهُ إفِسْاَدًا لَا إِصْلَاحًا؛ فَإِنَّهُ آثِمٌ بِهَذَا العَفْوِ، فَإِنَّ هَذَا يَحُضُّ الظَّالِمَ عَلَى التَّمَادِي، وَإِنَّ أَعْدَاءِ اللهِ الَّذِيْنَ يُحَارِبُوْنَ دِيْنَهُ وَيُظْهِرُوْنَ العَدَاوَةَ؛ الأَصْلُ فِي مُعَامَلَتِهِم الشِّدَّةُ وَالغِلْظَةُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُوْلُ اللهِ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ} (الفَتْحِ:29)، فَلَا يَكُوْنُ الرِّفْقُ مَعَهُم إِلَّا فِي جَانِبِ الدَّعْوَةِ وَتَأْلِيْفِ القُلُوْبِ.

فَالغِلْظُ وَالرِّفْقُ فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ رَاجِعٌ إِلَى مُنَاسَبَةِ الحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَ الأَصْلُ هُوَ الرِّفْقُ بِلَا رَيْبٍ -.

- فِي الحَديْثِ اسْتِعْمَالُ الغِلْظَةِ فِي مَحَلِّهَا، وَإِلَّا فَالأَصْلُ أَنَّ مَنْ جَاءَ يَعْتَذِرْ فَإِنَّهُ يُرْحَمُ، لَكِنْ هُنَا هَذَا الهَازِلُ لَيْسَ أَهْلًا للرَّحْمَةِ.

- الاسْتِهْزَاءُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذهِ الثَّلَاثَةِ المَذْكُوْرَةِ فِي الآيَةِ هوَ كُفْرٌ أَكْبَرٌ مُخْرِجٌ عَنِ المِلَّةِ، أَمَّا الاسْتِهْزَاءُ بِالدِّيْنِ فَفِيْهِ تَفْصِيْلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَد يَكُوْنُ المَقْصُوْدُ بِالدِّيْنِ هُوَ الإِسْلَامَ نَفْسَهُ؛ وَهَذَا يَكُوْنُ كُفْرًا أَكْبَرًا، أَمَّا لَو كَانَ المَقْصُوْدُ هوَ تَدَيُّنَ الرَّجُلِ المَسْبُوْبِ - وَلَيسَ شَرِيْعَتَهُ - الَّتِيْ يَنْتَمِي إِلَيهَا أَصْلًا؛ فَهَذَا لَا يَكْفُرُ؛ وَإِنَّمَا يُزْجَرُ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ المُوْهِمِ. (?)

- قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الهَيتَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الزَّوَاجِرُ عَنِ اقْتِرَافِ الكَبَائِرِ) (?):

(الكَبِيْرَةُ الأُوْلَى: الشِّرْكُ بِاللهِ: - في سِيَاقِ الكَلَامِ عَلَى مَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ، وَذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: .... أَوْ يَلْعَنُهُ أَوْ يَسُبُّهُ أَوْ يَسْتَخِفُّ أَوْ يَسْتَهْزِئُ بِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ؛ كَلَحْسِ الأَصَابِعِ، أَوْ يُلْحِقُ بِهِ نَقْصًا فِي نَفْسِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ دِيْنِهِ أَوْ فِعْلِهِ، أَوْ يُعَرِّضُ بذَلِكَ أَوْ يُشَبِّهُهُ بِشَيْءٍ عَلَى طَرِيْقِ الإِزْرَاءِ أَوِ التَّصْغِيْرِ لِشَأْنِهِ أَوِ الغَضِّ مِنْهُ.

أَوْ تَشَبَّهَ بِالعُلَمَاءِ أَوِ الوُعَّاظِ أَوِ المُعَلِّمِيْنَ - عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ - حَتَّى يَضْحَكُوا، أَوْ يَلْعَبُوا اسْتِخْفَافًا، أَوْ قَالَ: قَصْعَةُ ثَرِيْدٍ خَيْرٌ مِنَ العِلْمِ - اسْتِخْفَافًا أَيْضًا -). (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015